قوله : ملك يوم الدين ، إلى أسلوب طريق الخطاب ابتداء من قوله (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) إلى آخر السورة ، فن بديع من فنون نظم الكلام البليغ عند العرب ، وهو المسمى في علم الأدب العربي والبلاغة التفاتا. وفي ضابط أسلوب الالتفات رأيان لأئمة علم البلاغة : أحدهما رأي من عدا السكاكي من أئمة البلاغة وهو أن المتكلم بعد أن يعبّر عن ذات بأحد طريق ثلاثة من تكلم أو غيبة أو خطاب ينتقل في كلامه ذلك فيعبر عن تلك الذات بطريق آخر من تلك الثلاثة ، وخالفهم السكاكي فجعل مسمى الالتفات أن يعبّر عن ذات بطريق من طرق التكلم أو الخطاب أو الغيبة عادلا عن أحدهما الذي هو الحقيق بالتعبير في ذلك الكلام إلى طريق آخر منها.
ويظهر أثر الخلاف بين الجمهور والسكاكي في المحسّن الذي يسمى بالتجريد في علم البديع مثل قول علقمة بن عبده في طالع قصيدته :
طحا بك قلب في الحسان طروب
مخاطبا نفسه على طريقة التجريد ، فهذا ليس بالتفات عند الجمهور وهو معدود من الالتفات عند السكاكي ، فتسمية الالتفات التفاتا على رأي الجمهور باعتبار أن عدول المتكلم عن الطريق الذي سلكه إلى طريق آخر يشبه حالة الناظر إلى شيء ثم يلتفت عنه ، وأما تسميته التفاتا على رأي السكاكي فتجري على اعتبار الغالب من صور الالتفات دون صورة التجريد ، ولعل السكاكي التزم هذه التسمية لأنها تقررت من قبله فتابع هو الجمهور في هذا الاسم. ومما يجب التنبه له أن الاسم الظاهر معتبر من قبيل الغائب على كلا الرأيين ، ولذلك كان قوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) التفاتا على كلا الرأيين لأن ما سبق من أول السورة إلى قوله (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) تعبير بالاسم الظاهر وهو اسم الجلالة وصفاته.
ولأهل البلاغة عناية بالالتفات لأن فيه تجديد أسلوب التعبير عن المعنى بعينه تحاشيا من تكرر الأسلوب الواحد عدة مرار فيحصل بتجديد الأسلوب تجديد نشاط السامع كيلا يمل من إعادة أسلوب بعينه. قال السكاكي في «المفتاح» بعد أن ذكر أن العرب يستكثرون من الالتفات : «أفتراهم يحسنون قرى الأشباح فيخالفون بين لون ولون وطعم وطعم ولا يحسنون قرى الأرواح فيخالفون بين أسلوب وأسلوب». فهذه فائدة مطردة في الالتفات. ثم إن البلغاء لا يقتصرون عليها غالبا بل يراعون للالتفات لطائف ومناسبات ولم يزل أهل النقد والأدب يستخرجون ذلك من مغاصه.
وما هنا التفات بديع فإن الحامد لما حمد الله تعالى ووصفه بعظيم الصفات بلغت به