ثانياً : في مجال الفكر والعقيدة
جاء الإسلام ليرسخ الحق بين الناس ، ومن أهمّ ما هدف الى تثبيت قواعده وتشييد أركانه هو « التوحيد الإلهي» فإلى جانب الاستدلال على ذلك بما يوافق الفطرة والعقل السليمين ، سعى لمحو آثار الوثنية ، وكسر أصنام الجاهلية ، لما استتبعت من تحميق الناس ، وتعميق الجهل والذل في نفوسهم على حساب تضخم الثروة عند الطغاة ، وتوغّل الفساد في المجتمع الإنساني.
ولمّا كانت الوثنية والصنمية فكرة ناشئة من عقيدة تجسم الإله وتشبيهه بالخلق ، سعى الإسلام لنفي التجسيم والتشبيه ، ودعا الى التوحيد في الذات والصفات ، والتنزيه عن كل ما يمتّ الى المخلوقات ، كل ذلك بالدلائل والبراهين والآيات البينات.
لكن الاتجاه الرجعي تسلّط على المسلمين في فترة مظلمة من تاريخ الإسلام ، بدأت بتسنّم الحزب الأموي أريكة الخلافة ، وسيطرته من خلالها على ربوع البلاد ورقاب العباد ، أولئك الذين كانوا آخر الناس إسلاما ، وهم مسلمة الفتح ، ولم تنمح من أذهانهم صور الأصنام ، ولم يزل من قلوبهم حبّ الجاهلية وعباداتها ، فكما كانوا في الجاهلية من أشدّ الناس تمسّكا بالصنمية ورسوم الجاهلية الجهلاء ودعاة الشرك والفجور ، ورعاة الدعارة والعهارة والخمور ، فكذلك وبتلك الشدّة أمسوا في الإسلام أعداء التوحيد والتنزيه ومحاربي العفاف والإنصاف.
وعندما بلي المسلمون بولاة من هؤلاء ، بدأوا تشويه الصبغة الإسلامية بانتهاك الإعراض والحرمات ، وامتهان الشخصيات والكرامات ، وتشويش الأفكار والمعتقدات ، وتزييف الوجدان وإثارة الأضغان ، وتعميق العداء والبغضاء ، وتعميم الجور والعدوان.
وكان من أخطر ما روّجوه بين الاُمة وأكّدوا على إشاعته هو فكرة « الجبر الإلهي » بهدف التمكّن من السلطة التامة على مصير الناس ، والهيمنة على الأفكار بعد الأجسام.