وخصوصا النبلاء والنابهين ، والأبطال الذين يقتحمون الأهوال ويستصغرونها من أجل أهداف عظام ومقاصد عالية رفيعة.
فبكاء مثله ، ليس إلاّ لأجل قضيّة أكبر وأعظم ، خاصة البكاء بهذا الشكل الذي لا مثيل له في عصره (١).
لقد ركزّ الإمام زين العابدين عليهالسلام على قدسية بكائه لمّا سئل عن سببه؟
فقال : لا تلوموني.
فإنّ يعقوب عليهالسلام فقد سبطا من ولده ، فبكى ، حتى ابيضت عيناه من الحزن ، ولم يعلم أنه مات ..
وقد نظرت الى أربعة عشر (٢) رجلا من أهل بيتي يذبحون في غداة واحدة!
فترون حزنهم يذهب من قلبي أبدا؟! (٣).
إنه عليهالسلام في الحين الذي يربط عمله بما في القرآن من قصة يعقوب وبكائه ، وهو نبي متّصل بالوحي والغيب ، إذ لا ينبع فعله عن العواطف الخالية من أهداف الرسالات الإلهية.
وفي الحين الذي يمثّل لفاجعة الطفّ في اشجى مناظرها الدامية ، وبأقصر عبارة وافية.
فهو يؤكّد على تبرير بكائه ، بحيث يعذره كل سامع.
وفي حديث آخر : جعل الإمام عليهالسلام من قضيّة كربلاء مدعاة لكل الناس الى إحيائها ، وتزويدها بوقود الدموع ، وإروائها بمياه العيون ، ولا يعتبرونها قضية خاصة بعائلة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وحسب ، بل هي مصاب كل الناس ، وكل الرجالات الذين لهم
__________________
(١) أمالي الصدوق ( ص ١٢١ ) ولاحظ بحار الأنوار ( ٤٦ : ١٠٨ ) الباب (٦) الحديث (١).
(٢) يلاحظ أن المعروف في عدد المقتولين من أولاد علي وفاطمة عليهماالسلام في كربلاء هم « ستة عشر » رجلا ، ـ الوسائل ـ المزار ـ الباب (٦٥) تسلسل (١٩٦٩٤) عن عيون أخبار الرضا عليهالسلام ( ١ : ٢٩٩ ) ولاحظ نزهة الناظر (ص ٤٥).
(٣) كامل الزيارات ( ص ١٠٧ ) أمالي الصدوق ( المجلس ٩ و ٩١ ) تيسير المطالب لابي طالب ( ص ١١٨ ) وتاريخ دمشق الحديث (٧٨) ومختصره لابن منظور ( ١٧ : ٢٣٩ ) وحلية الأولياء ( ٣ : ١٣٨ ).