ولبعض حول التسليم لأهل الكتاب كلام وهو : كان اليهود يسلمون على النبي ، صلى الله عليه ـ وآله ـ وسلم ، فيرد عليهمالسلام حتى كان من بعض سفهائهم تحريف السلام بلفظ ( السام ) ، أي الموت ، فكان النبي ، صلى الله عليه ـ وآله ـ وسلم ، يجيبهم بقوله : « وعليكم » وسمعت عائشة واحداً منهم يقول له : السام عليك. فقالت له وعليك السام واللعنة ، فانتهرها النبي عليه الصلاة والسلام مبيناً لها أن المسلم لا يكون فاحشاً ، ولا سباباً ، وأن الموت علينا وعليهم.
وروي عن بعض الصحابة كابن عباس أنهم كانوا يقولون للذمي : السلام عليك. وعن الشعبي عن أئمة السلف أنه قال لنصراني سلم عليه : وعليك السلام ورحمة الله تعالى. فقيل له في ذلك ؛ فقال : « أليس في رحمة يعيش » وفي حديث البخاري : الأمر بالسلام على من تعرف ومن لا تعرف. وروى ابن المنذر عن الحسن أنه قال : ( فحيوا بأحسن منها ) للمسلمين ، ( أو ردوها ) لأهل الكتاب. وعليه يقال للكتابي ورد السلام عين ما يقوله ، وإن كان فيه ذكر الرحمة.
هذه لمعة مما روي عن السلف ، ثم جاء الخلف فاختلفوا في السلام على غير المسلم ، فقال كثيرون : إنهم لا يبدأون بالسلام لحديث ورد في ذلك ؛ وحملوا ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما على الحاجة ، أي لا يسلم عليهم ابتداء إلا لحاجة. وأما الرد فقال بعض الفقهاء : إنه واجب كرد السلام ، وقال بعضهم : سنة.
أما ما ورد من حق المسلم على المسلم فلا ينافي حق غيره ، فالسلام حق عام ، ويراد به أمران : مطلق التحية ، وتأمين من تسلم عليه من الغدر والإيذاء ، وكل ما يسيء. وقد روى الطبراني (١) والبيهقي من حديث أبي
__________________
وفي هامشه أي : علينا أو على من يستحقه.
أقول : السلام كاللعنة يطلب أهله كائناً من كان.
١ ـ هو أبو القاسم سليمان بن أحمد ... أحد حفاظ أهل السنة ، رحل في طلب الحديث من الشام إلى العراق ، والحجاز ، واليمن ، ومصر وغيرها ، وسمع الكثير ، وعدد شيوخه ألف شيخ ، ويقال : له مسند الدنيا ، يروي عنه أبو نعيم الأصبهاني ، وله مصنفات أشهرها المعاجم