قال ابن الأثير في النهاية : وفي حديث اشراط الساعة : «ويلقّى الشحّ». قال الحميدي : لم تضبط الرواة هذا الحرف ، ويحتمل أن يكون «يلقّى» بمعنى يتلقّى ويتعلّم ويتواصى به ويدعى إليه ، من قوله تعالى : (وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ) أي : ما يعلمها وينبّه عليها ، وقوله تعالى : (فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ).
ولو قيل : «يلقى» مخفّفة القاف لكان أبعد ؛ لأنّه لو اُلقي لترك ولم يكن موجوداً وكاد يكون مدحاً ، والحديث مبنيّ على الذمّ. ولو قيل يلفى بالفاء بمعنى يوجد لم يستقم ، لأنّ الشحّ ما زال موجوداً. (١) انتهى كلام النهاية.
الثاني : أن يكون من التلقية بمعنى إفادة المضامّة والإتّصال بين الشيئين ، أي : جعل الشيء منضمّاً إلى شيء ومتّصلاً به ملاقياً إيّاه ، قال عزّ من قائل (وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا).
وفي الكشّاف : أي : أعظاهم بدل عبوس الفجّار وحزنهم نضرة في الوجوه وسروراً في القلوب. (٢)
وقال سبحانه : (وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا) (٣) يقال : لقاه الشيء ألقاه إليه ، ويلقاه كذا لقيه واستقبله بالبشر والكرامة. ومنه قوله عزّ وجلّ (تَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ). (٤)
وفي الكشّاف : يلقون تحيّة وسلاماً يعني أنّ الملائكة يحيّونهم ويسلّمون عليهم ، أو يحيي بعضهم بعضاً ويسلّم عليهم ، أو يعطون التبقية والتخليد مع السلامة من كلّ آفة. (٥)
والحجّة على هذا يرام بها المقتاس (٦) المقتدى به في سلوك المصير إلى الله تعالى. فالمعنى : اجعلني مع إمامي متّصلاً به ملاقياً إيّاه يوم أصير إليك وألقاك وعند الوقوف بين يديك للحساب.
الثانية : تشديد القاف والنون جميعاً من التلقين ، إدغاماً لنون جوهر الكلمة في نون الضمير. والمرام بالحجّة حينئذ معناها الحقيقي الشائع لا غير ، أعني ما به الإحتجاج و
__________________
١. نهاية ابن الأثير : ٤ / ٢٦٧ ـ ٢٦٨.
٢. الكشّاف : ٤ / ١٩٧.
٣. سورة الفرقان : ٧٥.
٤. سورة الأنبياء : ١٠٣.
٥. الكشّاف : ٣ / ١٠٢.
٦. في «س» : المقياس.