ذلك لأنّ القمر أيضاً لكونه كثيفاً مظلماً غير منير من جوهر جرمه له مخروط ظلّ يكون رأسه عند الأبصار إلى جانب الأرض في بعد يقتضي تساوي القطرين ، وأعلى من الأبصار من بعد حلقة النور ، ويقع الأبصار في دائرة من الظلّ قاطعة للمخروط في بعد يقتضي المكث ، بأن يكون قطر القمر أعظم من قطر الشمس.
ولإعتبار حدود الكسوفات ليستبين على أيّ حدّ يمكن الكسوف وفي أيّ حدّ لا يكون ممكناً إذا اعتبر العرض الحقيقي للقمر.
وكان اختلاف العرض أي : اختلاف المنظر في العرض تارة يزاد على العرض الحقيقي ، وذلك إذا ما كان العرض جنوبيّاً ، ومنطقة البروج والقمر في جانب واحد ومن سمت الرأس ، وتارة ينقص منه ، وذلك إذا ما كان العرض شماليّاً ليصير مرئيّاً ، لزم أن يكون الحدود عن جانبي العقدتين مختلفة بحسب اختلاف البقاع ، بخلاف الأمر في حدود الخسوفات ؛ لأنّ المعتبر هناك العرض الحقيقي وهو لا يختلف ، وهاهنا العرض المرئيّ وهو مختلف.
ففي الإقليم الرابع يكون الكسوف على بعد غايته بعد عقدة الرأس ، أو قبل عقدة الذنب إلى ثماني عشر درجة ، أو على بعد غايته قبل عقدة الرأس ، أو بعد عقدة الذنب إلى سبع درجات ممكناً ، فكذلك يمكن أن يقع كسوفان على طرفي خمسة أشهر ، أحدهما بعد الرأس والآخر قبل الذنب ، أو على سبعة أشهر أحدهما قبل الذنب والآخر بعد الرأس.
وأمّا على طرفي ستّة أشهر فلا اشتباه في إمكانه ، ولا في وقوع خسوف وكسوف في استقبال واجتماع متواليين ، وأكثر ما يكون بينهما من المدّة خمسة عشر يوماً. وليس يمكن خسوفان بينهما شهر في شيء من البقاع أصلاً.
وكذلك لا يكون كسوفان بينهما شهر إلّا في بقعتين مختلفي جهة الأرض : إحداهما شماليّة والاُخرى جنوبيّة ؛ لكون القمر هو الكاسف للشمس ، والتوالي من المغرب يكون بدؤ الظلام.
والإنجلاء في الكسوف أبداً من الجانب الغربي ، فالمنكسف أوّلاً غربيّ الشمس ، وكذلك المنجلي أوّلاً غربها ، وهذه صورة الكسوف على تسطيح المجسّم.