وإمّا المراد بالذكر : هو القرآن المجيد والفرقان الحميد ، كما سمّاه الله
تعالىٰ به ، قال : ( أَأُنزِلَ
عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا ) ، وقال : ( نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )
.
فحينئذٍ مراده : أتقرّب
إليك بكتابك ، يعني : بمواظبتي قراءته ، وممارستي التفكّر في محكماته ومتشابهاته ، وناسخه ومنسوخه ، وتأويله وتنزيله ، ومجمله ومفصّله.
والقرآن ـ من الفاتحة
إلىٰ الخاتمة ـ وجوده الوجود اللفظي حين القراءة ، والوجود الكتبي حين عدمها لجميع الموجودات ، آفاقية والأنفسيّة ، إذ قُرّر في محله
أنّ لكلّ شيء وجودات أربعاً : العينية ، والذهنية ، والكتيبة ، واللفظية. والعوالم
كلّها متطابقة ، فكلّ ما في عالم من العوالم فهو في عالم أعلىٰ منه بنحو الأكملية
والأتمّية ممّا في العالم الأدنىٰ ، كما قال تعالىٰ : ( وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ
إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) .
فالمراد بالكتاب
المبين وإن كان هو العقل الأول والممكن الأشرف ، إلّا أن القرآن حقيقته ووجوده الكتبي كما قلنا ، فكلّ ما في اُم الكتاب بنحو اللف والبساطة فهو في
الكتاب التدويني بنحو الكتابة والعبارة. والتفصيل يستدعي محلّاً آخر ونمطاً آخر غير ما سمعت.
وإمّا المراد بالذكر : أهل البيت عليهمالسلام ؛ لأنَّهم أهل الذكر وحاملو القرآن كما
هو حقّه ، كما روي عن أبي جعفر عليهالسلام في قوله تعالىٰ : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ
الذِّكْرِ ) ، قال : ( نحن والله أهل الذكر ). فقيل : أنتم المسؤلون ؟ قال : ( نعم ). قيل : وعليكم أن
تجيبونا ؟ قال عليهالسلام : ( ذاك إلينا إن شئنا فعلنا ، وإن
شئنا تركنا ) . فهم
عليهمالسلام بشراشر وجودهم ذكر
الله تعالىٰ وفيضه.
وحينئذٍ مراده : أتقرّب
إليك بأهل ذكرك ، يعني بمحبتهم وموالاتهم عليهمالسلام. فحُذف المضاف واُقيم المضاف إليه مقامه.
_____________________________