والتسبيح يرجع
إلىٰ الحمد ، والحمد يرجع إلىٰ التسبيح ، كقوله تعالىٰ : ( إِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ) يعني : يسبّح بتسبيحه تعالىٰ
لنفسه.
ثم إنّ السائل نزّهه
تعالىٰ بعد التشبيه ، كأنّه أشار إلىٰ طريقة الموحّدين ، وهي الجمع بين صفتي التشبيه والتنزيه ، كما في قوله تعالىٰ : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ
السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) .
وفي هذا الباب أحاديث
كثيرة جمعوا عليهمالسلام فيها بين صفتي التشبيه والتنزيه :
منها :
ما روي عن الإمام الهمام موسىٰ بن جعفر عليهماالسلام ، أنّه قال : ( إنّ الله تبارك وتعالىٰ لم يزل بلا زمان ولا مكان ، وهو الآن كما كان ، لا يخلو منه مكان ، ولا
يشغل به مكان ، ولا يحل في مكان ، ( مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ
رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ
مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ) ، ليس بينه وبين خلقه حجاب غير خلقه ، احتجب بغير حجاب محجوب ، واستتر بغير ستر مستور ، لا إله إلّا هو الكبير المتعال ) .
ومنها :
ما قال أمير المؤمنين عليهالسلام في بعض خطبه : ( مع كل شيء لا بمقارنة
، وغير كل شيء لا بمزايلة ) .
وقال في البعض الآخر
: ( لا تقدّره الأوهام بالحدود والحركات ، ولا بالجوارح والأدوات ، لا يقال له : متىٰ ، ولا يضرب له أمد بحتىٰ ، لم يقرب من
الأشياء بالتصاق ، ولم يبعد عنها بافتراق ، تعالىٰ عما ينتحله المحددون من صفات الأقدار ونهايات
الأقطار ، وتأثل المساكن وتمكن الأماكن ، فالحد لخلقه مضروب ، وإلىٰ غيره منسوب ) .
إلىٰ غير ذلك
ممّا جمعوا عليهمالسلام التشبيه والتنزيه في كلماتهم ، من
الخطب الجليلة والأدعية الرفيعة الجميلة ، وليس لهذا المختصر وسع أكثر ممّا ذكر.
_____________________________