هذا ما قرّره
بعض المفسّرين في معنى الآية ، وهو في نفسه معنى صحيح لا يخلو عن دقّة ، إلاّ أنّه
غير منطبق على لفظ الآية ، فإنّ كون الاُمّة وسطاً إنّما يصحّح كونها مرجعاً يرجع
إليه الطرفان ، وميزاناً يوزن به الجانبان ، لا كونها شاهدة تشهد على الطرفين ، أو
يشاهد الطرفين ، فلا تناسب بين الوسطيّة بذلك المعنى وبين الشهادة ، وهو ظاهر ، على
أنّه لا وجه للتعرّض بكون رسول الله شهيداً على الاُمّة ; إذ لا تترتّب شهادة
الرسول على الاُمّة على جعل الاُمّة وسطاً كما تترتّب الغاية على المغيّى والغرض
على ذيه ...
فقد تبيّن بما قدّمناه :
أوّلاً
: إنّ كون الاُمّة وسطاً مستتبع للغايتين جميعاً ـ الشهادة
والشهداء ـ وأنّ قوله تعالى : (لِتَكُونُوا
شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) الآية ، جميعاً ، لازم كونهم وسطاً ..
وثانياً
: إنّ كون الاُمّة وسطاً إنّما هو بتخلّلها بين الرسول
وبين الناس ، لا بتخلّلها بين طرفي الإفراط والتفريط ، وجانبي تقوية الروح وتقوية
الجسم في الناس ...
وقيل
: «الوسط» سببُ التقاء الطرفين ، وهو تعدّي الحكم إلى
المحكوم عليه ..
__________________