فروع الفقه يبنى على اصولٍ له وجب الابتداء باصوله ثمّ اتباعها بالفروع ، وكان الكلام في الفروع من دون إحكام أصله لا يثمر ، وقد كان بعض المخالفين سأل فقال : إذا كنتم لا تعملون في الشرعيات إلّا بقول المعصوم فأيّ فقرٍ بكم إلى اصول الفقه؟ وكلامكم فيها كأنّه عبث لا فائدة فيه» (١).
ففي هذا النصّ يربط ابن زهرة بين الحاجة إلى علم الاصول والثغرات في عملية الاستنباط ، إذ يجعل التزام الإمامية بالعمل بقول الإمام عليهالسلام فحسب سبباً لاعتراض القائل بأنّهم ما داموا كذلك لا حاجة لهم بعلم الاصول ؛ لأنّ استخراج الحكم إذا كان قائماً على أساس قول المعصوم مباشرةً فهو عمل ميسَّر لا يشتمل على الثغرات التي تتطلّب التفكير في وضع القواعد والعناصر الاصولية لملئها.
ونجد في نصٍّ للمحقّق السيّد محسن الأعرجي ـ المتوفّى سنة (١٢٢٧ ه) ـ في كتابه الفقهي «وسائل الشيعة» وعياً كاملاً لفكرة الحاجة التأريخية لعلم الاصول ، فقد تحدّث عن اختلاف القريب من عصر النصّ عن البعيد منه في الظروف والملابسات ، وقال في جملة كلامه : «أين مَن حَظِيَ بالقرب ممّن ابتلي بالبعد حتّى يدّعى تساويهما في الغنى والفقر؟ كلّا إنّ بينهما ما بين السماء والأرض ، فقد حدث بطول الغيبة وشدّة المحنة وعموم البليّة ما لو لا الله وبركة آل الله لردّها جاهلية ، فسدت اللغات ، وتغيّرت الاصطلاحات ، وذهبت قرائن الأحوال ، وكثرت الأكاذيب ، وعظمت التقية ، واشتدّ التعارض بين الأدلّة ، حتّى لا تكاد تعثر على حكمٍ يسلم منه ، مع ما اشتملت عليه من دواعي الاختلاف ، وليس هنا أحد يرجع إليه بسؤال. وكفاك مائزاً بين الفريقين قرائن الأحوال ، وما يشاهد في المشافهة من الانبساط والانقباض ... ، وهذا بخلاف من لم يصب
__________________
(١) الغنية (ضمن الجوامع الفقهية) : ٤٦١