تحدثني ، كأنه قال : إن يكن منك أن تأتيني فتحدثني ، وقبح هذا كقبح : أنت
تأتيني فتحدثني ؛ والوجه : أنت تأتيني فتحدثني على ترك المتناول البعيد من غير
حاجة إليه ، وتأويل النصب أنت يكون منك إتيان فحديث كما قال :
وألحق بالحجاز فاستريحا
فإذا أدخلت لا
حسن النصب ، وصار فيه تأويل : ما تأتيني محدثا ، كأنه قال : ما تأتني إلا لم
تحدثني ، والذي حسّن النصب فيه حرف النفي ، وذلك قوله :
ومن لا يقدّم
رجله مطمئنة
|
|
... فيثبتها ...
|
نصب (فيثبتها)
، كما ينصب لا تأتينا فتحدثنا ، بمعنى لا تأتينا إلا لم تحدثنا ، ومثله : ومن لا
يقدم إلا لم يثبت زلق ، وإذا قلت : إن تأتني فأحدّثك ، فلا يجوز بعد الفاء إلا
الرفع ، لأن الشرط في الأصل جملة مبناها على فعل وفاعل ، والجواب جملة أخرى ثانية
مبناها على مبتدإ وخبر ، وفعل وفاعل ، وإنما ربط إحداهما بالأخرى.
(إن) ولا حاجة
إلى الفاء إذا كانت جملة الجواب فعلا وفاعلا ، ثم أدخلت الفاء ليليها الاسم لما
احتيج إلى الجواب بالابتداء والخبر ، ثم جعل مكان الاسم الفعل ، فارتفع لوقوعه
موقع الاسم ، وليس الجواب بالفاء المرفوع مثل ما انتصب بين المجزومين ، الذي
تقديره تقدير مصدر معطوف على مصدر فعل الشرط ، كما قدّر بقولنا إن يكن إتيان فحديث
أحدثك ، فالحديث متصل بالأول شريك له معطوف عليه ؛ ولو قلت : إن يكن إتيان فحديث ،
وسكت واكتفيت صار قولك. فحديث هو الجواب ، وليس بمعطوف على شيء ، بل يقدّر بعد
الفاء مبتدأ وخبر مبتدأ ، كأنك قلت : إن يكن إتيان فعندي حديث ، أو فأمري حديث ،
كما تقول : إن تأتني فمكرم مخبوّ ، أي فأنت ، وكما قيل : " المرء مقتول بما
قتل به إن خنجرا فخنجرا" ، وقد مضى نحوه.
وإذا عطفت فعلا
على الجواب المجزوم ، فلك فيه ثلاثة أوجه :
الجزم والرفع
والنصب ، فالجزم والرفع جيدان مختاران ، والنصب دونهما ، تقول : إن
__________________