والخامس : آن تقع للمبالغة ، فلا تفيد مفادها في الوجوه الأول ، كقول عمر رضياللهعنه : «نعم العبد صهيب ، لو لم يخف الله لم يعصه» ، والمعنى : أنه لو لم يكن عنده خوف لما عصى ، فكيف يعصى وعنده خوف. ولو لم يرد المبالغة لكان معنى ذلك : أنه يعصي الله ، لأنه يخافه.
وقال أيضا : «لو» في الموضع اللغوي تعلق فعلا بفعل ، والفعل الأول علة الثاني ، إلا أن يكون هنا قرينة صارفة تصرفها عن هذا الأصل. وهو أن يدل المعنى على إرادة المبالغة ، كقولك : لو أهين زيد لأحسن إلى من يهينه ، والمعنى : أنه إذا أكرم كان أولى بالإحسان ، لا أنه إذا لم يهن لم يحسن.
ومن كلامه «بله» تستعمل على ثلاثة أوجه :
أحدها : أن تكون بمعنى «غير».
والثاني : أن تكون بمعنى «دع» فتكون مبنية على الفتح.
والثالث : أن تكون بمعنى «كيف» فإن دخلت «من» عليها كانت معربة ، وجرّت بمن.
وذكر أن أبا علي الفارسي حكى عن أبي زيد القلب ، فيقال : «بهل» إلا أنها لا تستعمل مثل «بله» لأنها فرع.
وقال أبو البقاء : سألني سائل عن قوله صلىاللهعليهوسلم : «إنما يرحم الله من عباده الرحماء» ، فقال : أيجوز في «الرحماء» الرفع والنصب؟ وذكر أن بعضهم زعم أن الرفع غير جائز. فأجبت : بأن الوجهين جائزان.
أما النصب : فله وجهان :
أقواهما : أن تكون «ما» كافّة لإن عن العمل فلا يكون في الرحماء ، على هذا إلا النصب ، لأن «إن» إذا كفّت عن العمل وقعت بعدها الجملة ابتدائية ، ولم يبق لها عمل ، فيتعين حينئذ نصب الرحماء ب «يرحم» إذ لم يبق لها تعلق بإن. ومثله : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ) [البقرة : ١٧٣] على قراءة من نصب ، وفائدة دخول «ما» على هذا الوجه : إثبات المذكور ، ونفي ما عداه ، فتثبت الرحمة للرحماء دون غيرهم.