باب حروف الجرّ
إنّما سمّيت كسرة الإعراب جرّا لتسفّلها في الفم وانسحاب الياء التي من جنسها على ظهر اللسان كجرّ الشيء على الأرض ، ومنه قيل لأصل الجبل : (جرّ) لتسفله (١).
والكوفّيون يسمّونه : (خفضا) وهو صحيح المعنى ؛ لأن الانخفاض الانهباط وهو تسفّل.
فصل : وإنّما عملت هذه الحروف لاختصاصها بأحد القبيلين ، وقد ذكرنا علّة ذلك في باب (أنّ) ، وإنّما عملت الجرّ دون غيره لأمرين :
أحدهما : أنّ الفعل عمل الرفع والنصب فلم يبقى للحرف ما ينفرد به إلا الجرّ.
والثاني : أنّ الحرف واسطة بين الفعل وبين ما يقتضيه فجعل عمله وسطا والجرّ من (الياء) وهي من حروف وسط الفم بخلاف الرفع ؛ فإنّه من الضمّ ، والضم من الواو ، والواو من الشفتين وبخلاف النصب ؛ فإنّه من الألف ، والألف من أقصى الحلق.
فصل : والأصل في الجرّ للحروف لأمرين :
أحدهما : أن أصل العمل للأفعال والحروف دخلت موصولة لها إلى الأسماء فلمّا اختصّت عملت فكانت تلو الأفعال في العمل أما الأسماء فمعمول فيها فلم تكن عاملة.
والثاني : أن الإضافة تقدّر بالحرف فدلّ ذلك على أنّه الأصل وإنّما عملت في الأسماء لما يذكر في مواضعه.
فصل : و (من) (٢) على أوجه :
__________________
(١) سمّيت حروف الجرّ ، لأنها تجرّ معنى الفعل قبلها إلى الاسم بعدها ، أو لأنها تجرّ ما بعدها من الأسماء ، أي تخفضه. وتسمّى «حروف الخفض» أيضا ، لذلك. وتسمّى أيضا «حروف الإضافة» ، لأنها تضيف معاني الأفعال قبلها إلى الأسماء بعدها. وذلك أنّ من الأفعال ما لا يقوى على الوصول إلى المفعول به ، فقوّوه بهذه الحروف ، نحو «عجبت من خالد ، ومررت بسعيد». ولو قلت «عجبت خالدا. ومررت سعيدا» ، لم يجز ، لضعف الفعل اللازم وقصوره عن الوصول إلى المفعول به ، إلا أن يستعين بحروف الإضافة.
(٢) من لها ثمانية معان :
١ ـ الابتداء ، أي ابتداء الغاية المكانيّة أو الزمانيّة. فالأول كقوله تعالى (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى.) والثاني كقوله (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ)