المنادى المضموم لفظا النصب ، ولك أن تقول إنه نعت مقطوع بتقدير أعنى. ويجوز فى هذا النعت الرفع باعتبار لفظ المنادى ، وساغ ذلك لاطراد الرفع فى المنادى المفرد اطراده فى المبتدأ والفاعل. أما إذا وصف المنادى المفرد بنعت مضاف فإنه يتحتم فيه النصب ولا يجوز الرفع ، لأنه بمنزلته لو كان منادى ، والمنادى المضاف حقه النصب ، فلا يجوز فيه إلا اعتبار المحل المنصوب. ويلاحظ الخليل ملاحظة دقيقة فى كلمة أمس فإن أصلها النصب ، وهى تبنى على الكسر إذا كانت مفردة ، فإذا أضيفت ردّت إلى أصلها من النصب الذى يجرى فى الظروف.
وكان يبنى القياس على الكثرة المطّردة من كلام العرب ، مع نصّه دائما على ما يخالفه ، ومحاولته فى أكثر الأحيان أن يجد له تأويلا ، من ذلك أنه كان يرى أن القياس فى عطف المعرف بالألف واللام على المنادى المرفوع أن يكون مرفوعا ، لأنه لو كان هو المنادى لتقدّمته أى مثل يا أيها الحارث ورفع معها صفة لها ، لأنها مبهمة يلزمها التفسير ، فصارت هى والحارث بمنزلة اسم واحد كأنك قلت يا حارث (١) ، وبذلك يكون القياس فى مثل يا زيد والحارث الضم ، يقول سيبويه : «قال الخليل : من قال : يا زيد والنّضر فنصب فإنما نصب لأن هذا كان من المواضع التى يردّ فيها الشىء إلى أصله (أى إذا كان المعطوف مضافا) فأما العرب فأكثر ما رأيناهم يقولون : يا زيد والنّضر ، وقرأ الأعرج : (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ) فرفع ، ويقولون يا عمرو والحارث ، وقال الخليل هو القياس كأنه قال : ويا حارث» (٢). ومعروف أن الفعل لا يدخله التصغير ، ولكن جاء عن العرب فى فعل التعجب : «ما أميلحه» يقول سيبويه : «وسألته عن قول العرب ما أميلحه ، فقال : لم يكن ينبغى أن يكون فى القياس لأن الفعل لا يحقّر وإنما تحقّر الأسماء ، لأنها توصف بما يعظم ويهون ، والأفعال لا توصف ، فكرهوا أن تكون الأفعال كالأسماء لمخالفتها إياها فى أشياء كثيرة ، ولكنهم حقّروا هذا اللفظ وإنما يعنون الذى تصفه بالملح ، كأنك قلت مليّح شبهوه بالشىء الذى تلفظ به وأنت تعنى شيئا آخر نحو قولك : يطؤهم الطريق
__________________
(١) الكتاب ١ / ٣٠٦.
(٢) الكتاب ١ / ٣٠٥.