(وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) من أن (جَزاءُ سَيِّئَةٍ) مبتدأ وخبره محذوف تقديره لهم (١). ومن ذلك رفضه ما ذهب إليه الحوفى مع الفراء من أن جملة (وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) فى قوله تعالى : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ ، سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) معطوفة على ما قبلها بتقدير أن الأصل ولأنفسهم ثم حذف المضاف ، وقال ابن هشام إن هذا تكلف والواو فى الآية للاستئناف (٢). وقد أنكر رأيه فى أن الباء لها متعلق فى قوله جلّ شأنه : (أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ) لأنها حرف جر زائد ، وحروف الزيادة لا متعلق لها (٣). وردّ ابن هشام رأيه فى قوله تعالى : (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) أن جواب الشرط هو إن ذلك وما بعدها لأنها اسمية وهى لا تكون جوابا للشرط فى النثر بدون فاء ، إنما يختص ذلك بالشعر ، أما الآية فجواب الشرط فيها محذوف (٤). وارتضى رأيه فى أن خبر الذين فى قوله عزوجل : (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) محذوف دلت عليه الجملة وتقديره مأجورون (٥). وأنكر قوله إن الباء من قوله تعالى : (فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) متعلقة بناظرة لأنها جارة لما الاستفهامية والاستفهام له الصدر (٦) ، كما أنكر ما ذهب إليه فى الآية : (إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ) من أن (سَيَهْدِينِ) جملة حالية ، إنما هى اعتراضية (٧). وردّ إعرابه لقوله جلّ شأنه : (ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) أن ظلمات مبتدأ وبعضها فوق بعض خبر ، قائلا : الصواب أن ظلمات خبر لمبتدأ محذوف (٨). وتلك هى كل مراجعات ابن هشام فى كتابه «المغنى» للحوفى فى كتابه إعراب القرآن ، وكأنه لم يجد وراءها ما يرده أو ينكره ، مما يشهد للقفطى فى قوله عنه إنه كان عالما بالنحو قيّما بعلل العربية أتم قيام.
وكان يعاصره الذاكر (٩) النحوى المصرى تلميذ بن جنى المتوفى سنة ٤٤٠ للهجرة وكان يتصدّر بمصر لإقراء العربية ، وله تعليقات مفيدة فى النحو ، وهو إشارة
__________________
(١) المغنى ص ٤٣٧.
(٢) المغنى ص ٤٤٣.
(٣) المغنى ص ٤٩٢ والهمع ٢ / ١٠٨.
(٤) المغنى ص ٥٥٢.
(٥) المغنى ص ٥٥٤.
(٦) مغنى ص ٥٩٧.
(٧) مغنى ص ٤٤٤.
(٨) مغنى ص ٦٣٨.
(٩) انظر فيه إنباه الرواة ٢ / ٨.