يعني ، ركبتِ يوماً على جمل وحاربتِ وصيِّ رسول الله ، وركبتِ هذا اليوم على بغل تمنعين ذريةَ صاحب البيت عن بيت جده ، فلو عشتِ وأدركتِ وقعةَ الطفِّ لعلك تركبين على الفيل إلى حرب الحسين عليهالسلام! وأيّ حق لك في البيت حتى منعتِ عن دخول الغير؟! فلو صحَّ إرثكِ عن التراب فجميع نساء النبي يقسمن ثُمن البيت إلى تسع سهام ، فلا يكون سهم كل واحدة ـ وهو تسع ثُمن البيت ـ إلا شبراُ أو شبرين ، ولأي سبب تملكين مجموع البتي؟!
فقد تحقق أن أهل البيت لا يطلق على النساء إلا بنحو من التجوز والتأويل ، مع أن الخطاب لو كان باقياً على حاله لكان اللازم تأنيث الضمائر بصيغة جمع المؤنث ، فتغيير الاُسلوب إلى ضمير الجمع المذكر إشارة إلى تغيير العنوان.
فتبيَّن من جميع ذلك أن جملة «وقلت» عطف على أول المطلب : «إلى أن انتهيت بالأمر .. وقلت».
قوله : «وقلت ما سألتكم من أجر فهو لكم» يعني إن أجر الرسالة الذي سأله النبي صلىاللهعليهوآله بإذن ربه ـ وهو خالقه ـ هو المودة في القربى كما في العبارة السابقة ، أو الابتداء بهم إلى الله كما في العبارة الآتية ، حيث قال : (مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا) (١) أي لا أسأل أجراً إلا اتخاذ من شاء منكم سبيلاً إلى ربه ، بأن يتخذوا الأئمة سبيلاً إلى الله.
فهذه الاُمور ـ أعني المودة أو الاهتداء وأمثالها ـ من المنافع الراجعة إلى المحب والمهتدي ، وهذا معنى (فَهُوَ لَكُمْ) (٢) ؛ فإن محمداً وآل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ لاستكمالهم من جميع الجهات ، لا نقص فيهم ليتكمَّل بحب أحد أو بتبعية آخر ، حتى أن المشهور بين العلماء عدم عود فائدة من الصلوات بالنسبة إليهم ، كما هو ظاهر بعض فقرات الزيارة الجامعة ، حيث قال : وجعل صلواتنا عليكم ، وما خصنا به من زيارتكم زيادة لنا ، وكفارة لذنوبنا ، وطيباً لأنفسنا ... الزيارة.
نعم ، يظهر من الشهيد الثاني والسيد الجزائري ـ قدهما سرهما ـ جواز رجوع الفائدة إليهم ؛ به سبب أن المادة قابلة والفيض غير متناه. وعبارة الزيارة ليست آبية عن هذا المعنى
__________________
١. سورة الفرقان ، الآية ٥٧.
٢. سورة سبأ ، الآية ٤٧.