مقدمة المؤلف
أما المقدمة
فاعلم أن المعصومين ـ سلام الله عليهم ـ
لكونهم أكمل المخلوقات في أعصارهم والوسائط للفيوضات الواصلة إليهم ، على ما
يُستفاد من الأخبار الكثيرة ، من أنه لولاهم لخسف بنا الأرض ولغارت الأنهار ، وقد
اُشير إلى ذلك إجمالاً في بعض فقرات دعاء «العديلة» ، حيث قال : وبوجوده ثبتت
الأرض والسماء ، وبيُمنه رُزق الورى.
فلابد أن يكون كلٌّ منهم أتمّ وأجمع
للكمالات التي منها الفصاحة والبلاغة ، بحيث صارت سببَ الإعجاز في كلام الباري
تعالى ؛ على ما هو المشهور من وجوه إعجاز القرآن.
ولما كان مقتضى البلاغة تكليم كلِّ واحد
على قدر فهمه ومعرفته ؛ كما قيل : «كلّموا الناس على قدر عقولهم»
، فلم يتمكنوا من إظهار مراتب الفصاحة والبلاغة مع الأشخاص المخاطبين السائلين عن
الأحكام ؛ لعدم استعدادهم غالباً للتكلم إلا على نحو أوضح وأبين بطريق ساذج. بل
ربما كانوا لا يلتفتون إلى البيانات الواضحة أيضاً.
فكان كمالهم مذخوراً عندهم ، لم يكد
يتفق لهمِ موردٌ لإظهار مذخوراتهم من مكنونات البلاغة إلا في أمثال الأدعية
والمناجاة ، فلذا صارت الأدعية المأثورة عنهم ـ سلام الله عليهم ـ قابلة للتوجّه ،
بل محتاجة غالبها إلى الإيضاح والتنبّه ، ومفتقرة أكثرها إلى البيان في الفهم
والتفقّه.
ألا ترى إلى دعاء «العديلة» و «الصباح» متوقفة
عباراتها على الباين والإفصاح ، وكذا دعاء «كميل» و «السمات» ، وكذا سائر الأدعية
المحتوية على غامض العبارات؟ ومن هذا القبيل دعاء «الندبة» ، [لا] سيما أواخرها
المشتملة على مطالب صعبة.
ومن المعلوم أن الغرض من الدعاء ـ وهو
الوصول إلى مطالب الدنيا والآخرة ـ لا يتحصل إلا بعد فهم معنى الدعاء ، وليس
كالقراءة في الصلاة في تعلق الغرض بالألفاظ ، بل المقصود هو المعنى ، والإنشاء
إنما يتعلق به.
ولا معنى للطلب قبل تصوّر المطلوب ، بل
هو نظير تعشق واحد من سلاطين السلف ، حيث سمع باب التعشق وقصص بعض العشَّاق ، فعشق
السلطان من دون معشوق ، وقال
__________________