وقال بعض الحفاظ حين عرف بابن مالك : يقال إن عبد الله في نسبه مذكور مرتين متواليتين ، وبعض يقول : مرة واحدة ، وهو الموجود بخطه أول شرحه لعمدته ، وهو الذي اعتمده الصفدي وابن خطيب داريّا محمد بن أحمد بن سليمان الأنصاري ، وعلى كل حال فهو مشهور بجدّه في المشرق والمغرب.
وحكى بعضهم أن ولادته سنة ثمان وتسعين وخمسمائة ، وعليه عوّل شيخ شيوخ شيوخنا ابن غازي في قوله : [رجز]
قد خبع ابن مالك في خبعا |
|
وهو ابن عه كذا وعى من قد وعى(١) |
وقيل ، كما تقدم : إن مولده سنة ستمائة أو بعدها بجيّان الحرير مدينة من مدن الأندلس جبر الله كسرها ، وهي مفتوحة الجيم وياؤها مشددة تحتانية ، وتصدّر ابن مالك بحماة مدة ، وانتقد بعضهم على ابن خلكان إسقاطه من تاريخه ، مع كونه كان يعظّمه إلى الغاية ، وقدم رحمه الله تعالى لصاحب دمشق قصة يقول فيها عن نفسه : إنه أعلم الناس بالعربية والحديث ، ويكفيه شرفا أن من تلامذته الشيخ النووي (٢) ، والعلم الفارقي ، والشمس البعلي ، والزين المزّي ، وغيرهم ممن لا يحصى.
وكان رحمه الله تعالى كثير المطالعة ، سريع المراجعة ، لا يكتب شيئا من محفوظه حتى يراجعه في محله ، وهذه حالة المشايخ الثقات ، والعلماء الأثبات ، ولا يرى إلا وهو يصلي أو يتلو أو يصنف أو يقرئ (٣) ، وكذا كان الشيخ أبو حيّان ، ولكن كان جدّه في التصنيف والإقراء.
وحكي أنه توجه يوما مع أصحابه للفرجة بدمشق ، فلما بلغوا الموضع الذي أرادوه غفلوا عنه سويعة (٤) ، فطلبوه فلم يجدوه ، ثم فحصوا عنه فوجدوه منكبا على أوراق.
وأغرب من هذا في اعتنائه بالعلم ما مر أنه حفظ يوم موته عدة أبيات حدّها بعضهم بثمانية ، وفي عبارة بعض «أو نحوها» لقنه ابنه إياها ، وهذا مما يصدق ما قيل بقدر ما تتعنى ، تنال ما تتمنى ، فجزاه الله خيرا عن هذه الهمة العلية!.
__________________
(١) في نسخة عنده «كذا حكى من قد وعى» وخبع في أول البيت بمعنى أقام ، ومجموع حروف «خبعا» بحساب الجمل ٦٧٣ وهي سنة وفاته عنده ، ومجموع حروف «عه» ٧٥ وهو مقدار سنه.
(٢) في ه : النوري.
(٣) في ب : أو يقرأ.
(٤) في ب ، ه : بسويعة.