ودفن ابن مالك بسفح قاسيون ، بتربة القاضي عز الدين بن الصائغ ، وقال العجيسي : بتربة ابن جعوان.
ورثاه الشيخ بهاء الدين بن النحاس بقوله : [الكامل]
قل لابن مالك ان جرت بك أدمعي |
|
حمرا يحاكيها النّجيع القاني(١) |
فلقد جرحت القلب حين نعيت لي |
|
وتدفّقت بدمائه أجفاني |
لكن يهوّن ما أجنّ من الأسى |
|
علمي بنقلته إلى رضوان(٢) |
فسقى ضريحا ضمّه صوب الحيا |
|
يهمي به بالرّوح والرّيحان(٣) |
وابن النحاس المذكور أحد تلامذة ابن مالك ، وهو القائل يخاطب رضي الدين الشاطبي الأندلسّي ، وقد كلفه أن يشتري له قطرا (٤) : [الخفيف]
أيّها الأوحد الرّضيّ الّذي طا |
|
ل علاء وطاب في النّاس نشرا |
أنت بحر لا غرو إن نحن وافي |
|
ناك زاجين من نداك القطرا(٥) |
وابن النحاس المذكور له نظم كثير مشهور بين الناس ، وهو : بهاء الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن محمد بن نصر ، الحلبي الأصل ، المعروف بابن النحاس ، وهو شيخ أبي حيّان ، ولم يأخذ أبو حيّان عن ابن مالك وإن عاصره بنحو ثلاثين سنة.
وقال بعض من عرّف بابن مالك : إنه تصدر بحلب مدة ، وأم بالسلطانية ، ثم تحول إلى دمشق ، وتكاثر عليه الطلبة ، وحاز قصب السبق ، وصار يضرب به المثل في دقائق النحو ، وغوامض الصرف ، وغريب اللغات ، وأشعار العرب ، مع الحفظ والذكاء والورع والديانة وحسن السّمت والصيانة والتحري لما ينقله والتحرير فيه ، وكان ذا عقل راجح ، حسن الأخلاق ، مهذبا ، ذا رزانة وحياء ووقار ، وانتصاب للإفادة ، وصبر على المطالعة الكثيرة ، تخرج به أئمة ذلك الزمان كابن المنجي وغيره ، وسارت بتصانيفه الركبان ، وخضع لها العلماء الأعيان ، وكان حريصا على العلم ، حتى إنه حفظ يوم موته ثمانية شواهد.
__________________
(١) النجيع : الدم. والقاني : الأحمر.
(٢) أجنّ : أستر.
(٣) صوب الحيا : المطر الذي لا يؤذي.
(٤) القطر ، بسكر القاف وسكون الطاء : النحاس.
(٥) في ب : راجين.