زهر فارق كمائمه ، فسأل أبا الحسين بن سراج أن يقول فيه ، فأرتج عليه (١) ، فثنى عنان القول إليه ، فقال : [الطويل]
رأى صاحبي عمرا فكلّف وصفه |
|
وحمّلني من ذاك ما ليس في الطّوق |
فقلت له : عمرو كعمرو ، فقال لي : |
|
صدقت ولكن ذاك شبّ على الطّوق(٢) |
وكان بنو القبطرنة بالأندلس أشهر من نار على علم ، وقد تصرفوا في البراعة والقلم ، ولهم الوزارة المذكورة ، والفضائل المشكورة ، ولذا قال أبو نصر في حقهم ما صورته (٣) :
هم للمجد كالأثافي ، وما منهم إلا موفور القوادم والخوافي ، إن ظهروا ، زهروا ، وإن تجمّعوا ، تضوّعوا ، وإن نطقوا ، صدقوا ، ماؤهم صفو ، وكل واحد منهم لصاحبه كفو ، أنارت بهم نجوم المعالي وشموسها ، ودانت لهم أرواحها ونفوسها ، ولهم النظام الصافي الزجاجة ، المضمحل العجاجة ، انتهى.
ثم قال : وبات منهم أبو محمد مع أخويه في أيام صباه ، واستطابته (٤) جنوب الشّباب وصباه ، بالمنية المسماة بالبديع ، وهو روض كان المتوكل يكلف بموافاته ، ويبتهج بحسن صفاته ، ويقطف رياحينه وزهره ، ويقف عليه إغفاءه وسهره ، ويستفزه الطرب متى ذكره ، وينتهز فرص الأنس فيه روحاته وبكره ، ويدير حميّاه على ضفة نهره ، ويخلع سره فيه لطاعة جهره ، ومعه أخواه فطاردوا اللذات حتى أنضوها ، ولبسوا برود السرور وما نضوها ، حتى صرعتهم العقار ، وطلّحتهم تلك الأوقار ، فلما همّ رداء الفجر أن يندى ، وجبين الصبح أن يتبدّى ، قام الوزير أبو محمد فقال : [الخفيف]
يا شقيقي وافى الصّباح بوجه |
|
ستر اللّيل نوره وبهاؤه |
فاصطبح واغتنم مسرّة يوم |
|
لست تدري بما يجيء مساؤه |
ثم استيقظ أخوه أبو بكر فقال : [الخفيف]
يا أخي قم تر النّسيم عليلا |
|
باكر الرّوض والمدام شمولا |
لا تنم واغتنم مسرّة يوم |
|
إنّ تحت التّراب نوما طويلا |
في رياض تعانق الزّهر فيها |
|
مثل ما عانق الخليل الخليلا |
__________________
(١) ارتج عليه : استغلق عليه الكلام.
(٢) في ج : ولكن ذا أشب على الطوق.
(٣) القلائد : ص ١٤٨.
(٤) في ب ، ج ، ه : واستطابة جنوب الشباب.