سنة ٧٤٥ على يد أحد تجار أزمّور (١) ، واستمر بقاؤه في الخزانة ، انتهى باختصار.
واعتنى به ملوك الموحدين غاية الاعتناء ، كما ذكره ابن رشيد في رحلته ، ولا بأس أن أذكر كلامه بجملته ، والرسالة في شأن المصحف لما فيها من الفائدة ، ونص محل الحاجة منه : أنشدني الخطيب أبو محمد بن برطلة من لفظه وكتبته من خطه ، قال : أنشدني الشيخ الفقيه القاضي أبو القاضي أبو القاسم عبد الرحمن بن كاتب الخلافة أبي عبد الله بن عياش لأبيه رحمهم الله تعالى مما نظمه ، وقد أمر أمير المؤمنين المنصور بتحلية المصحف : [الطويل]
ونفّلته من كلّ ملك ذخيرة |
|
كأنّهم كانوا برسم مكاسبه |
فإن ورث الأملاك شرقا ومغربا |
|
فكم قد أخلّوا جاهلين بواجبه |
وكيف يفوت النّصر جيشا جعلته |
|
أمام قناه في الوغى وقواضبه |
وألبسته الياقوت والدرّ حلية |
|
وغيرك قد روّاه من دم صاحبه(٢) |
وعلى ذكر هذا المصحف الكريم فلنذكر كيفية الأمر في وصوله إلى الخليفة أمير المؤمنين عبد المؤمن ، وما أبدى في ذلك من الأمور الغريبة التي لم يسمع بمثلها في سالف الدهر ، حسبما أطرفنا به الوزير الأجل أبو زكرياء يحيى بن أحمد بن يحيى بن محمد بن عبد الملك بن طفيل القيسي حفظه الله تعالى وشكره ، مما استفاده وأفاده لنا مما لم نسمع به قبل ، عن كتاب جده الوزير أبي بكر محمد بن عبد الملك بن طفيل المذكور ، مما تضمنه من وصف قصة المصحف ، فقال : وصل إليهم أدام الله سبحانه تأييدهم قمرا الأندلس النيران ، وأميراها المتخيّران ، السيدان الأجلان أبو سعيد وأبو يعقوب أيدهما الله ، وفي صحبتهما مصحف عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه ، وهو الإمام الذي لم يختلف فيه مختلف ، وما زال ينقله خلف عن سلف ، وقد (٣) حفظ شخصه على كثرة المتناولين ، وذخره الله لخليفته المخصوص بمن سخر لخدمته من المتداولين ، وله من غرائب الأنباء ومتقدم الإشعار بما آل إليه أمره من الإيماء ما ملئت به الطروس ، وتحفظه من أهل الأندلس الرائس والمرؤوس ، فتلقي عند وصوله بالإجلال والإعظام ، وبودر إليه بما يجب من التبجيل والإكرام ، وعكف عليه
__________________
(١) أزمور : وردت في معجم البلدان أزمورة ، وهي بلد بالغرب في جبال البربر (معجم البلدان ج ١ ص ١٦٩).
(٢) يشير إلى ما فعله الذين حاصروا أمير المؤمنين عثمان بن عفان يوم الدار ، وقتلوه وهو يقرأ القرآن ، فخضبوا المصحف بدمه.
(٣) في ب : قد حفظه.