ومن متخلّق (١) متجرّد (٢) تصوّف ، ومتعلّق متفرّد تشوّق إلى ما فيه رضا الربّ وتشوّف (٣) ، وناه ذكّر بأيام الله ، ووعظ وخوّف ، ولاه اغترّ بالباطل ، فهو بالحق مماطل ، وطالما أخره وسوّف ، وأبعد الانتجاع ، ثم أوى من باطنه إلى بيت قعيدته لكاع (٤) نفس أمّارة بعدما طوّف ، ومن مادح نظم الآلاء نظم اللآل ، وكادح طمس لألاء العز بظلمة ذلّ السؤال ، فجعل القصائد مصايد ، والرسائل وسائل ، والمقطعات مرقعات ، فآل أمره إلى ما آل ، ومن مخبر بما سمع ورأى ، حين اغترب عن مكانه ونأى ، أو أقام في أوطانه فبلغ ما قدّر ووأى (٥) ومن مجازف لا يفرق بين الغثّ والسمين والإمرار والإحلاء ، وعارف ثقة أمين نظم درّ الصدف الثمين في أسلاك الكتابة والإملاء ، وعاشق خنساء فكره ذات الصّدار من الشجون والشعار تبكي على صخر قلب المحبوب ، وتذكره كلما طلعت شمس (٦) أو كان للصّبا هبوب ، فتأتي بما يطفي وقود الجوى المشبوب من بحار الأشعار ، وليلى شوقه العفيفة عن العار ترفل في ثوب من التصبّر معار ، وقيس توقه من ثوب السلوّ عار (٧) ، قد تولّه واشتاق خصوصا عند انتشاق البشام والعرار (٨) وقلق لما أرق فلم يقرّ به قرار ، فاعتراه ما براه وألف البكاء بحكم الاضطرار ، ولبس ثياب النحول والاصفرار ، وأسر لما هزمت جيوش صبره وأزمعت الفرار ، فتحير مما شجاه وسأل النجاة من أسر الفراق. [مجزوء الكامل]
سبحان من قسم الحظو |
|
ظ فلا عتاب ولا ملامه |
أعمى وأعشى ثمّ ذو |
|
بصر وزرقاء اليمامه (٩) |
ومسدّد أو جائر |
|
أو حائر يشكو ظلامه (١٠) |
__________________
(١) المتخلق : اللابس الثياب الخلقة البالية ، أو ذو الخلق.
(٢) المتجرد : العريان ، أو الذي جرّد نفسه للعبادة.
(٣) تشوف إلى الشيء : تطلع إلى الشيء ، طمح إليه.
(٤) أخذ هذا من بيت الحطيئة :
أطوّف ما أطوّف ثم آوي |
|
إلى بيت قعيدته لكاع |
(٥) وأى : ضمن بعزم.
(٦) يشير إلى الخنساء ورثائها لأخيها صخر ؛ ولبسها صدارا جزعا عليه ، فلم تنزعه حتى ماتت. وكانت تقول :
يذكرني طلوع الشمس صخرا |
|
وأذكره لكلّ طلوع شمس |
(٧) فيه إشارات إلى قيس وليلى.
(٨) الانتشاق : الشمّ : والبشام والعرار : نبتان طيبا الرائحة من نبات نجد.
(٩) زرقاء اليمامة : كانت مضرب المثل في حدّة البصر.
(١٠) المسدد : الذي أعطي السداد. والجائر : الحائد عن القصد.