ظنونا مختلفة ، ويقال : العلوم والأفهام ، في أشباه لذلك كثيرة ، فجعل جري
كل واحدة من الحركات خلاف جري صواحبها ؛ لأن جريها ليس شيئا أكثر منها ، وهي
مختلفات في ذواتها ، فكأنه قال : هذا باب جري أواخر الكلم وهي تعني أواخر الكلم
تجري على ثمانية أنحاء من الجري ، ثم بين ذلك بما بعده.
فإن قال قائل :
فقد يروى عن المازني أنه غلّط سيبويه في قوله : " على ثمانية
مجار" ، وزعم أن المبنيات حركات أواخرها كحركات أوائلها ؛ وإنما الجري لما
يكون مرة في شيء يزول عنه ، والمبني لا يزول عن بنائه ، وكان ينبغي أن يقول : على
أربعة مجار على الرفع والنصب والجر والجزم ، ويدع ما سواهن.
فالجواب في ذلك
ـ وبالله التوفيق ـ أن أواخر الكلم لا يوقف على حركاتهن ، وإنما تلزمهن الحركات في
الدّرج ، وليس كذا صدور الكلام وأوساطها فجاز أن تصنف حركات أواخر الكلم من الجري
بما لا تصنف به أوائلها وأوساطها ؛ لأن حركات الأوائل والأوساط لوازم في الأحوال
كلها.
ووجه ثان : أن
أواخر الكلم هن مواضع التغير ، فيجوز إطلاق لفظ المجاري عليهن ، وإن كان بعض
حركاتهن لازما في حال ، ومثل ذلك تسمية" سيبويه" لأواخر الكلم
عامة" حروف الإعراب". وقد علمت أن المبنيات لا يعربن ، وإنما سماهن حروف
الإعراب لأن الإعراب يكون فيهن إذا أجريت الكلمة.
وقوله
: " وإنما ذكرت لك ثمانية مجار ، لأفرق بين ما يدخله ضرب من هذه الأربعة ،
لما يحدث فيه العامل ، وليس شيء منها إلا وهو يزول عنه ، وبين ما بني عليه الحرف
بناء لا يزول" إلى آخر الفصل.
قال أبو سعيد :
اعلم أن سيبويه لقّب الحركات والسكون هذه الألقاب الثمانية ـ وإن كانت في الصورة
أربعا ـ ليفرق بين المبني الذي لا يزول ، وبين المعرب الذي يزول ـ وإنما أراد
بالمخالفة بين تلقيب ما يزول وما لا يزول إبانة الفرق بينهما ؛ لأن في ذلك فائدة
جسيمة تقريبا وإيجازا ، لأنه متى قال : هذا الاسم مرفوع ، أو منصوب ، أو
__________________