بين الوجوبين.
الثاني : إذا استقلّ العقل بما ذكر فهل يكشف عن كونه كذلك عند الشرع.
أمّا الأوّل ، فالعدلية متّفقة على إمكانه ، وهو من الأحكام البديهية للعقل ضرورة انّ كلّ إنسان يجد في نفسه حسن العدل وقبح الظلم ، وإذا عرض الأمرين على وجدانه يجد في نفسه نزوعاً إلى العدل وتنفّراً عن الظلم وهكذا سائر الأفعال التي تعد من مشتقات الأمرين.
يقول العلّامة الحلّي : «إنّا نعلم بالضرورة حسن بعض الأشياء وقبح بعضها من دون نظر إلى شرع ، فإنّ كلّ عاقل يجزم بحسن الإحسان ويمدح عليه وبقبح الإساءة والظلم ويذم عليه ، وهذا حكم ضروري لا يقبل الشكّ وليس مستفاداً من الشرع لحكم البراهمة والملاحدة به من غير اعتراف منهم بالشرائع». (١)
إنّ حكم الإنسان بحسن العدل وقبح الظلم ليس بأدون من الجزم بحاجة الممكن إلى العلّة ، أو انّ الأشياء المساوية لشيء متساوية ، فإذا أمكن الجزم بالأمرين الأخيرين فليكن الأمر الأوّل كذلك.
هذا كلّه حول الأمر الأوّل.
وأمّا الأمر الثاني أعني : الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع فهو ثابت أيضاً ، لأنّ الموضوع للحسن والقبح هو نفس الفعل بغضِّ النظر عن فاعل خاص ، بل مع غض النظر عمّا يترتّب عليه من المصالح والمفاسد ، فإذا كان هذا هو الموضوع فما وقف عليها العقل بفطرته ووجدانه يعمّ فعل الواجب والممكن.
وبعبارة أُخرى : انّ ما يدركه العقل في الحكمة العملية مثل ما يدركه في الحكمة النظرية ، فكما انّ ما يدركه لا يختص بالمدرِك بل يعمه وغيره ، فهكذا الحال في الحكمة العملية ، مثلاً : إذا أدرك العقل بفضل البرهان الهندسي بانّ زوايا
__________________
(١). كشف المراد مع تعليقتنا : ٥٩ نشر المؤسسة الإمام الصادق (عليهالسلام).