القرآن فآمنوا به جملة وتفصيلا ، وهم على يقين من عدل الله ، وان من يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما.
٧ ـ (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ). هذا تقسيم ثان للجن بعد الإسلام ، أما التقسيم الأول في الآية ١١ الى صالحين ودون ذلك فهو بالنظر الى ما قبل الإسلام ، ولا فرق إلا في التسمية ، فقد أسموا الطيبين قبل الإسلام بالصالحين ، وأسموهم بعد الإسلام بالمسلمين (فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً). طلب الذين أسلموا الرشد فأصابوه ، واختاروا لأنفسهم الخير فسعدوا به.
(وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً). قال الشيخ إسماعيل حقي في تفسيره روح البيان : «القاسط هو الجائر العادل عن الحق ، والمقسط هو العادل الى الحق ، يقال : قسط إذا جار ، وأقسط إذا عدل ، وقد غلب اسم القاسط على فرقة معاوية ، ومنه الحديث خطابا لعلي بن أبي طالب : «تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين» فالناكثون أصحاب عائشة الذين نكثوا البيعة ، والقاسطون أصحاب معاوية لأنهم جاروا حين حاربوا الإمام الحق ، والمارقون الخوارج لأنهم خرجوا من دين الله ، واستحلوا قتال خليفة رسول الله (ص)».
(وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً). هذا كلام مستأنف منه تعالى ، والضمير في استقاموا يعود الى الخلائق من الجن والسن ، والمراد بالطريقة شريعة الحق والعدل ، وماء غدقا كناية عن الرخاء والسعة في الرزق لأن الماء أصل الحياة ، والفتنة الاختبار ، والمعنى ان الناس لو آمنوا بالله حقا ، وعملوا بشريعة العدل ، وابتعدوا عن الجور والعدوان ـ لعاشوا في سعة ورخاء وأمن وأمان (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) أي في الرخاء ، واللام في لنفتنهم للعاقبة مثل لدوا للموت ، والمعنى ان الله سبحانه يغدق النعم عليهم ، ثم ينظر : فإن ازدادوا ايمانا به وإخلاصا له كانوا من السعداء دنيا وآخرة ، وان غيّروا وبدّلوا فهو لهم بالمرصاد (وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً) أي شديدا ، وكل من ذكّر بالحق فأعرض عنه عذبه الله عذابا أليما.