(وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ). المراد بشهادة الله علمه تعالى ، والمعنى ان المنافقين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ، والله يعلم ما يسرون وما يعلنون ، وهو لهم بالمرصاد ، وأيضا النبي يعلم حقيقتهم ، ولكنه مأمور أن يعاملهم بالظاهر لا بالواقع ، قال : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله». وأبلغ ما قرأت في الفرق بين المؤمن والمنافق قول الإمام علي (ع) : «لسان المؤمن من وراء قلبه ، وقلب المنافق من وراء لسانه». أي ان لسان المؤمن تابع لقلبه ، فلا يقول إلا ما يعتقد ، أما المنافق فقلبه تابع للسانه ، ولسانه يدور مع أهوائه وأغراضه .. ونتيجة ذلك ان المنافق لا قلب له إلا الهوى والغرض.
(اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ). كثيرا ما كانت تتكشف نوايا المنافقين ودسائسهم ضد الرسول (ص) والمسلمين ، وكانوا كلما حدث شيء من ذلك اتخذوا من ايمانهم وقاية يتقون بها غضب النبي (ص) ، ويسترون بها ما يكيدون لرسول الله ، وما يصدون عن الايمان به وبرسالته (إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) من التلون والمكر والغدر.
(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ). المراد بآمنوا انهم عرفوا بين الناس بالايمان .. وإلا فإن المنافقين لم يؤمنوا بالله طرفة عين ، وقوله تعالى ، ثم كفروا أي ثم عرفهم الناس بأنهم كانوا يظهرون الايمان ويضمرون الكفر ، أما قوله : فطبع على قلوبهم فمعناه انها لا تهتدي الى الرشد والخير بعد أن أعماها الهوى والضلال. وتقدم مثله في الآية ١٣٧ من سورة النساء» ج ٢ ص ٤٦٢.
(وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ). جمال في المنظر ، وقبح في المخبر ، وبتعبير الإمام علي (ع) قلوبهم دويّة ـ أي مريضة ـ وصفاحهم نقية (وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ) لأنهم يتحدثون بكلام المخلصين ، ويقولون في الدنيا وأشيائها بقول الزاهدين (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ) .. تمثال من خشب ، ولكنه يأكل ويشرب ، وكل من عمي عن الهدى فهو ميت الأحياء.
(يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ). هنا تدب فيهم الروح