بلام الأمر. وما قدمت «ما» بمعنى أيّ في محل نصب بقدمت والمعنى أيّ شيء قدمت.
المعنى :
(كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ). قال المنافقون لبني النضير : قاتلوا محمدا ، ونحن معكم في القتال وفي الجلاء ، ولما نزل بهم البلاء اختفى المنافقون في أوكارهم ، وما ظهر لهم عين ولا أثر ، وقد شبه سبحانه حال المنافقين هذه مع بني النضير بحال الشيطان مع الإنسان الأثيم ، يغريه بالفساد والضلال ، ويمنيه السلام ، فإذا جد الجد تركه للعذاب والهلاك ، وتبرأ منه ومن عمله ، وتظاهر بالخوف من الله. وتقدم مثله في الآية ٤٨ من سورة الأنفال ج ٣ ص ٤٩١ والآية ٢٢ من سورة ابراهيم ج ٤ ص ٤٣٨ (فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ). الضمير في عاقبتهما يعود الى الشيطان والإنسان الذي وقع في شباكه ، والمعنى واضح ويتلخص بأن كلا من الخادع والمخدوع في جهنم وساءت مصيرا.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) الذي أنتم في قبضته ، ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ). كل ما يعمله الإنسان في هذه الحياة يقدم عليه في اليوم الآخر ، والناقد البصير ينظر الى دنياه نظرة من يترك فيها من الصالحات لا من يأخذ من ملذاتها وكفى (وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ). انه تعالى يعلم من آمن به قولا وعملا ، ومن آمن به كفكرة يذكرها في أقواله ، وينساها في أفعاله ، وكرر سبحانه الأمر بالتقوى مبالغة في الحث والترغيب.
(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ). نسوا العمل بأمر الله ، فأنساهم العمل لمصلحة أنفسهم ، وما ينفعها يوم تبيضّ وجوه وتسود وجوه ، وأغش الناس من نسي نفسه ولم يعمل لسلامتها من الهلاك (أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) لأنهم لم ينتفعوا ببيان الله ، ويتعظوا بمواعظه (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ). وكيف يستوي الصالح والطالح ، والشقي