تماما كما ارتد سلاح فرعون الى نحره وصدره ، وقديما قيل : من سل سيف البغي قتل به ، قال تعالى : (وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا) ـ ٤٠ العنكبوت.
(قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ). لم يخش موسى من تهديد فرعون ، وقال له في ثقة واطمئنان : أتجعلني من المسجونين ، حتى ولو كنت محقا بالدليل الذي يزيل الشك عنك وعن غيرك؟. وبماذا يجيب فرعون عن هذا الاحراج؟ هل يقول له : نعم أسجنك وان كنت محقا .. كيف وهذا اعتراف صريح بأن موسى رسول رب العالمين ، وان فرعون مفتر بدعواه الربوبية ، ولذا اضطر مرغما أن يقول لموسى : (فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ).
(فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ). هذه الآية وما بعدها الى قوله تعالى : (سَحَّارٍ عَلِيمٍ) تبلغ ست آيات ، وبها ينتهي المقطع الذي نحن بصدده ، وقد ذكرت هذه الآيات الست في سورة الاعراف من الآية ١٠٧ حتى الآية ١١٢ ج ٣ ص ٣٧٥ ، وهي واحدة هنا وهناك في ترتيبها ونصها الحرفي إلا في شيئين : الأول قال هنا «سحار». وقال في الاعراف «ساحر». والمعنى واحد في حقيقته ولا فرق إلا في المبالغة.
الثاني جاء في الآية ١٠٩ من سورة الاعراف (قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) وجاء هنا في الآية ٣٤ من سورة الشعراء (قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) والفرق كبير بين المعنيين ـ كما يبدو ـ لأن آية الاعراف نسبت هذا القول الى جماعة فرعون ، لا إلى فرعون ، وآية الشعراء نسبته الى فرعون بالذات ، لا الى جماعته ، فما هو وجه الجمع؟.
وما وجدت أية إشارة الى ذلك فيما لدي من التفاسير والمصادر ، ولا أدري ما هو السبب .. وأيا كان فالذي أراه في الجواب ان فرعون هو الذي ابتدأ وقال لجماعته : (إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ). ثم أخذ جماعته يتداولون قوله هذا فيما بينهم ،