ونسب اليه تعالى الظل ومده وقبضه مع ان ذلك يستند الى الأرض مباشرة كما ذكرنا لأنه جل وعز هو المؤثر الأول في الوجود ، وان الفيض كله من عنده ، وليست الظواهر الكونية إلا وسائط.
٢ ـ (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً). وصف سبحانه هنا الليل باللباس ، وفي الآية ٩٦ من سورة الأنعام وصفه بالسكن : (وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً) والمعنيان متقاربان لأن اللباس يحجب الأبصار ، ولا صوت للسكون يصل الى الأسماع.
٣ ـ (وَالنَّوْمَ سُباتاً) سكونا وانقطاعا عن العمل ، يقال : سبت القوم إذا استراحوا وانقطعوا عن العمل.
٤ ـ (وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً) حركة وعملا ، وأوضح تفسير لهذه الآية قوله تعالى : (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ـ ٧٣ القصص أي لتسكنوا في الليل ، وتعملوا في النهار طلبا للعيش.
٥ ـ (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً). المراد برحمته هنا المطر ، والمعنى ان الرياح تبشر بنزول الماء من السماء وهو طاهر في نفسه مطهر لغيره على حد تعبير الفقهاء (لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً). قال سبحانه هنا بلدة ، وفي الآية ٥٦ من سورة الأعراف قال : (سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ). ويدل هذا على ان البلدة والبلد بمعنى واحد ، ولذا قال : بلدة ميتا ولم يقل ميتة. أنظر تفسير الآية ٥٦ من سورة الأعراف ج ٣ ص ٣٤٢ ، وأيضا تفسير الآية ٣٠ من سورة الأنبياء (وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً). ضمير صرفناه يجوز أن يعود الى القرآن ، وعليه تكون الآية بمعنى قوله تعالى : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً) ـ ٤١ الاسراء. ويجوز أن يعود ضمير صرفناه الى المطر ، ويكون المعنى ان الله سبحانه أرسل المطر من مكان الى مكان لأنه لو دام واستمر في مكان واحد لهلك أهله غرقا ، ولو انقطع عنهم كلية لماتوا عطشا ، وعلى كل عاقل أن يتدبر هذه الحكمة والنعمة ويشكر الله عليها ، ولكن أبى أكثر الناس إلا الجحود بالله ، والكفران بأنعمه.