وذكر الرازي أربعة أوجه ، واختار ان محلها النصب مفعولا لفعل محذوف أي أعني من كفر بالله ، أما نحن فنختار ان محلها الرفع بالابتداء ، والخبر محذوف تقديره من كفر بالله من بعد إيمانه فعليهم غضب الله ، وهذه الجملة تدل عليها الجملة الموجودة في نفس الآية ، ومن شرح مبتدأ ، وفعليهم غضب من الله خبر. وصدرا تمييز محول عن فاعل لأن أصله من انشرح صدره للكفر ، وقال الرازي : صدرا مفعول ، وأصله صدره ، وحذف الضمير للعلم به. والمصدر من انهم في الآخرة مجرور بمحذوف أي لا جرم في انهم ، وضمير (هم) فصل والخاسرون خبران. ثم ان ربك للذين هاجروا خبرها جملة ان ربك لغفور رحيم. وان ربك من بعدها توكيد لأن ربك للذين هاجروا الخ.
المعنى :
(مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ). تدل هذه الآية على الاذن بالتفوه بكلمة الكفر للنجاة من القتل ، على ان يكون لافظها مؤمنا حقا وصدقا. وجاء في تفسير الرازي : «أكره أناس على كلمة الكفر ، منهم عمار وأبواه ياسر وسمية ، وصهيب وبلال وخباب وسالم ، وقد عذبوا ، فأما سمية فر بطت بين بعيرين ، ووخزت في قلبها بحربة فقتلت ، وقتل ياسر ، وهما أول قتيلين قتلا في الإسلام ، وأما عمار فقد أعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرها. فقال بعضهم : يا رسول الله ان عمارا كفر. فقال الرسول الأعظم (ص) ، كلا ، ان عمارا مليء ايمانا من قرنه الى قدمه ، واختلط الايمان بلحمه ودمه .. فأتى عمار رسول الله (ص) وهو يبكي ، فجعل الرسول يمسح عينيه ويقول : «ما لك؟ ان عادوا لك فعد بما قلت». وتقدم الكلام عن التقية عند تفسير الآية ٣٠ من سورة آل عمران.
(وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) بعد أن ذكر سبحانه من آمن واقعا ، وأظهر الكفر للنجاة من القتل ، وانه معذور عند الله ـ بعد هذا ذكر من كفر ظاهرا وواقعا ، لا لشيء الا رغبة في الكفر ، ولا جزاء لهذا الا غضب الله وعذابه الأليم (ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى