(إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ). ان كلا من هذه الآية والتي قبلها تدل بالمفهوم على معنى الأخرى ، لأن معنى : المؤمن لا يستأذن في التخلف عن الجهاد أن غير المؤمن يستأذن ، ومعنى غير المؤمن يستأذن ان المؤمن لا يستأذن .. وجمع الله بين الآيتين لتأكيد المعنى وتقريره.
(وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ). أي انهم يتظاهرون بالإسلام ، أما في الواقع فهم مشككون لا يجزمون بصدقه ولا بكذبه ، وهذا هو النفاق لأن الصادق المخلص يتصرف بما يمليه عليه عقله ، ويعلنه على الملأ شكا كان أو يقينا.
(وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ) مع رسول الله إلى غزوة تبوك (لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً) من الزاد والراحلة. وقد كانوا قادرين على ذلك (وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ) مع المؤمنين ، لأنهم لا يخرجون إلا للفساد والفتنة ، كما فعلوا في غزوة حنين ، حيث خرج أبو سفيان ومن لف لفه مع الرسول ، ولما حمي الوطيس ولوا الأدبار وتضعضع جيش المسلمين (فَثَبَّطَهُمْ) ان الله سبحانه أمرهم بالخروج لأجل الجهاد ، فعزموا على الخروج للفساد واشاعة الذعر والاضطراب في جيش المسلمين ، كما قال في الآية التالية : (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً) فثبطهم الله عن هذا الخروج الذي أرادوا به الفتنة والفساد ، ولم يثبطهم عن الخروج للجهاد والقتال ، كيف وقد أمرهم به (وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ) أي مع النسوة والأطفال والعجزة. ولم يبين سبحانه من الذي قال لهم هذا ، هل هي أنفسهم الأمارة ، أو لسان الحال ، أو بعضهم لبعض؟. الله العالم.
وتسأل : قال تعالى لنبيه في الآية ٤٣ : «لم أذنت لهم». وفي هذه الآية قال : «كره الله انبعاثهم فثبطهم» فكيف تجمع بين الآيتين؟.
وتعرف الجواب مما قلناه في تفسير قوله تعالى : (لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) وانه ليس عتابا واستفهاما حقيقيا ، وإنما الغرض منه بيان كذب المنافقين في معاذيرهم.
(لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ). هذا بيان للحكمة في كراهيته تعالى خروج المنافقين في جيش المسلمين ، وانهم يندسون بينهم للكيد وبث التفرقة والفوضى بين الصفوف .. وهؤلاء موجودون في كل مكان وزمان ، ويعرفون اليوم بالطابور الخامس (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) وهم