المتواتر هو الذي يرويه كثيرون يمتنع عادة تواطؤهم على الكذب ، ويقابله الخبر الواحد.
وقد ثبت بالوحي ان في الآخرة مكانا يقع بين الجنة والنار يسمى الأعراف (١) ، وما هو بالنعيم ، ولا بالجحيم ، ولكن باطنه فيه الرحمة ، وهو ما يلي الجنة ، وظاهره فيه العذاب ، وهو مما يلي النار : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ) ـ ١٤ الحديد. وعلى هذا المكان المسمى الأعراف رجال يعرفون جميع أهل الجنة ، وجميع أهل النار ، يعرفونهم لا بأسمائهم ولا بأشخاصهم ، بل بعلامات فارقة تدل عليهم ، وهم يتعمدون النظر إلى أهل الجنة ، ويسلمون عليهم ، ويطمعون أن يكونوا في وقت من الأوقات معهم ، وإذا وقع طرفهم على أهل النار سألوا الله أن لا يجعلهم مع القوم الظالمين الهالكين. ثم تنتهي الحال بأهل الأعراف إلى دخول الجنة لأنهم من أهل لا إله إلا الله ، ولله عناية خاصة بأهلها.
هذا مجمل ما نزل به القرآن في الأعراف وأهلها ، ولكن كثيرا من المفسرين تجاوزوه إلى تفاصيل لا نعرف لها أصلا .. وبعد هذا التمهيد نشرع في تفسير مداليل ألفاظ الآيات :
(وَبَيْنَهُما حِجابٌ) أي بين الجنة والنار ، أو بين أهليهما ، والحجاب هو الأعراف الذي أشار اليه بقوله : (وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ). أي ان رجال الأعراف يعرفون كلا من أهل الجنة وأهل النار بعلامات تدل عليهم .. وغير بعيد أن تكون هذه العلامات هي المشار اليها في الآية ١٠٦ من آل عمران : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ). والآية ٣٨ وما بعدها من سورة عبس : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ تَرْهَقُها قَتَرَةٌ) ـ أي سواد وظلمة ـ (أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ). وقيل : ان هذه علامات عامة يعرفها كل الناس ، وظاهر الآية يدل على ان تلك العلامات يعرفها رجال الأعراف فقط. ومهما يكن ، فان الأمر سهل جدا ، ما دمنا غير
__________________
(١). الاعراف اسم لهذا المكان ، أما البرزخ فهو الزمان الذي بين الموت والبعث.