وقال العلامة الحلي المتكلم : كل موجود سوى الله فهو ممكن مستند اليه ، فيكون عالما به ، سواء أكان جزئيا أم كليا ، وسواء أكان موجودا قائما بذاته أم عرضا قائما بغيره ، وسواء أكان في الأعيان أم في الأذهان ، لأن وجود الصورة في الذهن من الممكنات أيضا ، فيستند اليه ، وسواء أكانت الصورة الذهنية صورة أمر وجودي ، أم عدمي ممكن أم ممتنع ، فلا يعزب عن علمه شيء من الممكنات ولا من الممتنعات.
(وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ). الوفاة والموت بمعنى واحد في مفهوم العرف ، وهو عدم الحياة ، وتستعمل كل من الكلمتين في النوم مجازا ، لأن الحواس تتعطل عن أعمالها بسببه ، ومنه قوله تعالى : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) ـ ٤٢ الزمر ، أي ان الله يقطع صلة الأرواح بالأبدان ظاهرا وواقعا حين الموت ، ويمسكها عنده ، ويقطع هذه الصلة ظاهرا لا واقعا حين النوم ، وعند اليقظة ترجع الصلة كما كانت وتبقى إلى الوقت المضروب للموت الحقيقي .. فالنائم ميت وحي في آن واحد ، والمراد بالوفاة في الآية الموت المجازي ، قال الإمام علي (ع) : تخرج الروح عند النوم ، ويبقى شعاعها في الجسد ، وبذلك يرى الرؤيا فإذا انتبه من النوم عادت الروح بأسرع من لحظة.
(وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ). يريد ما كسبت جوارحكم من أعمال (ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ). ضمير فيه يعود إلى النهار ، ومعنى يبعثكم يوقظكم من النوم. وقال المفسرون : إن هذا الكلام دليل على صحة البعث والقيامة ، لأن النوم يشبه الموت ، واليقظة تشبه الحياة بعده. (ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) من خير وشر في ليلكم ونهاركم.
والخلاصة ان كل إنسان يموت بانتهاء أجله المكتوب ، ثم يبعثه الله بعد الموت ، تماما كما يوقظه من النوم ، ثم يجزي يوم البعث كل نفس بما كسبت ، وهم لا يظلمون.
وإذا قال قائل : لما ذا خصت الآية النوم بالليل ، والعمل بالنهار ، مع ان الإنسان قد ينام نهارا ، ويعمل ليلا؟ قلنا له : إن الآية وردت مورد الغالب.