سبق ان الله سبحانه خاطب السيدة مريم (ع) بقوله : (وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ). وقد أحدثت هذه الآية اختلافا بين علماء المسلمين : هل مريم بنت عمران أفضل ، أم فاطمة بنت محمد أفضل؟.
ذهب جماعة الى أن خير النساء أربع ، وأحجموا عن المفاضلة بينهن ، لحديث : «خير نساء العالمين أربع : مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد». وهذا الحديث مذكور في صحاح السنة ، ورأيته في تفسير الطبري والرازي والبحر المحيط ، وروح البيان والمراغي وصاحب المنار.
وقال آخرون : مريم أفضل للظاهر (نِساءِ الْعالَمِينَ).
وقال الشيعة وشيوخ من السنة : ان فاطمة أفضل ، وننقل هذا القول عن جماعة من شيوخ السنة ، استنادا الى تفسير البحر المحيط لأبي حيان الاندلسي عند تفسيره لآية : (اصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ). قال ما نصه بالحرف : «قال بعض شيوخنا : والذي اجتمعت عليه من العلماء انهم ينقلون عن أشياخهم ان فاطمة أفضل نساء المتقدمات والمتأخرات ، لأنها بضعة من رسول الله».
ومما استدل به القائلون بأفضلية فاطمة (ع) ما تواتر عن أبيها من طريق السنة والشيعة : «فاطمة بضعة مني ، فمن أغضبها اغضبني». أما قوله تعالى لمريم : (وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ) فالمراد به عالم زمانها ، لا كل زمان ، وهذا التعبير معروف ومألوف ، يقال : فلان أشعر الناس ، أو أعلمهم ، ويراد بذلك انه أشعر أو أعلم أهل زمانه ، أو أبناء أمته ، ونظيره كثير في القرآن ، ومنه قوله تعالى عن بني إسرائيل : (وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) ـ ١٥ الجاثية». ولا يختلف اثنان بأن المراد عالم زمانهم ، فكذلك تفضيل مريم التي هي من بني إسرائيل .. ومنه قوله تعالى : (وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ) ـ ٨٦ الانعام» : ولا قائل بأن لوطا أفضل من عيسى ، أو مساويا له في الفضل ، ولا إسماعيل أفضل من أبيه. ومنه : (إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) ـ ٢٣ النمل. أي كل شيء في زمانها.