عن نفسه ، فقال بعض الأصحاب : كفر عمار. فقال النبي : كلا ، ان عمارا يغمره الايمان من قرنه إلى قدمه .. وجاء عمار الى النبي ، وهو يبكي نادما. فمسح النبي عينيه وقال له : لا تبك ان عادوا لك فعد لهم بما قلت. فنزل في عمار قوله تعالى : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) ـ النحل ١٠٦». ولم يختلف اثنان في أن هذه الآية نزلت في عمار .. وبديهة ان العبرة بعموم اللفظ ، لا بسبب النزول ، واللفظ هنا عام يشمل كل من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان.
ثم نزلت الآية ٢٨ من سورة آل عمران التي نحن في صددها تؤكد آية عمار ابن ياسر ، ومثلها الآية ٢٧ من سورة المؤمن : (وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ). والآية ١١٩ من سورة الانعام : (إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) .. وكما جاءت الرخصة في كتاب الله بالتقية فقد جاءت أيضا في سنة رسوله ، قال الرازي في تفسيره الكبير ، والسيد رشيد رضا في تفسير المنار ، وغيرهما كثير ، قالوا : ان مسيلمة الكذاب أخذ رجلين من أصحاب رسول الله ، فقال لأحدهما : أتشهد اني رسول الله؟ قال : نعم. فأطلقه. وقال للثاني : أتشهد اني رسول الله؟ فلم يشهد. فقتله. ولما بلغ رسول الله ذلك قال : أما المقتول فمضى على يقينه وصدقه ، فهنيئا له ، وأما الآخر فقبل الرخصة فلا تبعة عليه.
وجاء في تفسير المنار : «ان البخاري نقل في صحيحه عن عائشة ان رجلا استأذن على رسول الله ، فقال النبي : بئس ابن العشيرة ، ثم اذن له ، ولما دخل ألان له الرسول القول. وبعد أن خرج قالت عائشة للنبي : قلت في هذا الرجل ما قلت ، ثم ألنت له القول؟ فقال : ان من شر الناس من يتركه الناس اتقاء فحشه. وفي البخاري أيضا في حديث أبي الدرداء : إنّا لنكشر ـ أي نبتسم ـ في وجوه قوم ، وان قلوبنا لتلعنهم».
هذا ، بالاضافة الى أحاديث أخرى تدل بعمومها على جواز التقية مثل حديث : «لا ضرر ولا ضرار». وحديث : «رفع عن أمتي ما اضطروا اليه» .. وهذان الحديثان متواتران عند السنة والشيعة.
واستنادا إلى كتاب الله ، وسنة نبيّه المتواترة أجمع السنة والشيعة قولا واحدا على جواز التقية ، قال الجصاص ـ من أئمة الحنفية ـ في الجزء الثاني من كتاب