المعنى :
ما زال الكلام عن اليهود ، فقد وصفهم الله سبحانه في الآية ٤٤ بالضلال والإضلال ، وفي الآية ٤٥ بعدائهم المؤمنين ، وفي الآية ٤٦ بتحريف الكلام واللي فيه ، وفي الآية ٤٩ بتزكيتهم لأنفسهم ، وفي الآية ٥٠ بالافتراء ، وفي الآية ٥١ بالعناد والتعصب ، وتفضيل عبدة الأصنام دجلا ونفاقا على الموحدين ، ثم وصفهم سبحانه بالبخل في هذه الآية :
(أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً). والمعنى ان اليهود ليس لهم دولة وملك ، ولو كان لهم نصيب من السلطان لاحتكروا جميع الخيرات ، ولم يتركوا لأحد شيئا ، حتى ولو كان مقدار النقير الحقير .. وصدق الله العظيم ، ونبوءة القرآن الكريم ، فقد كانوا ، وما زالوا لا يطيقون نعمة الله على عبد من عباده ، فإن استطاعوا انتزاعها منه بالدس والمؤامرة ، أو بالربا ، أو بالإغراء ببناتهم ونسائهم فعلوا ، وان كان لهم شيء من القوة سلبوا ونهبوا وأجروا الدماء نهرا ، فمن اليوم الذي اغتصبوا فيه أرض فلسطين سنة ١٩٤٨ أخرجوا أهلها من ديارهم بعد أن أقاموا مذابح للنساء والأطفال في أكثر من مكان .. وفي سنة ٦٧ قامت إسرائيل بمساندة الاستعمار بعملية الاغتيال لأجزاء أخرى من البلاد العربية ، وكررت فعلتها الأولى من الذبح والتشريد ، وليس هذا بغريب على تاريخهم وطبيعتهم.
وقد ملك العرب ، وامتد سلطانهم مئات السنين ، وانتشر شرقا وغربا ، وكان اليهود من جملة رعاياهم ، فأقاموا العدل بين الجميع ، وأحسنوا لليهود وغيرهم من أهل الأديان ، حتى قال المنصفون من علماء الغرب كغوستاف لوبون : «ما عرف التاريخ فاتحا أرحم من العرب» وشهد غيره منهم بمثل شهادته .. ولا بدع (فكل إناء بالذي فيه ينضح) كما قال ابن الصيفي.
ومن المفيد أن ننقل ما ذكره صاحب المنار عند تفسير هذه الآية منذ ٦٠ عاما حين كانت فلسطين في حكم العثمانيين ، قال ما نصه بالحرف :
«وحاصل معنى الآية ان هؤلاء اليهود أصحاب أثرة وشح مطاع يشق عليهم ان ينتفع منهم أحد ، فإذا صار لهم ملك منعوا الناس أدنى النفع وأحقره ،