يشبه أباه؟ قالوا : بلى. قال : ألا تعلمون ان الله حي لا يموت ، وان عيسى يأتي عليه الفناء؟ قالوا : بلى. قال : ألا تعلمون ان الله قيم على كل شيء؟ قالوا : بلى. قال : فهل يملك عيسى من ذلك شيئا؟ قالوا : لا. قال : ألا تعلمون ان الله لا يأكل ولا يشرب ولا يحدث؟ قالوا : بلى. قال : ألا تعلمون ان عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة ، ثم أرضعته ، وغذي كما يغذى الصبي ، وانه كان يأكل ويشرب ويحدث؟ قالوا : بلى. قال : فكيف يكون ربا؟ فسكتوا عجزا وإفحاما ، فأنزل الله فيهم صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية.
(وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ). قال بعض الناس ، يجب الوقوف عند لفظ الجلالة. أما الراسخون في العلم فكلام مستأنف ، والمعنى ان الله قد استأثر وحده بعلم المتشابه دون العلماء الراسخين في العلم ..
ويلاحظ على هذا القول بأن الله سبحانه حكيم لا يخاطب الناس بأشياء لا يفهمونها ، ولا يريد أن يفهموها .. كما سبق بيانه .. والصحيح ان الراسخين في العلم معطوف على لفظ الجلالة ، وان المعنى يعلم تأويل المتشابه الله والراسخون في العلم ، قال الإمام أمير المؤمنين (ع) : ذاك القرآن الصامت ، وأنا القرآن الناطق ، وكان ابن عباس يقول : أنا من الراسخين في العلم ، أنا أعلم تأويله .. وتجمل الاشارة إلى أن العالم الحق هو الذي يحجم عن القول من غير علم ، بل من الرسوخ في العلم الاحجام عن القول من غير علم ، وفي الحديث : الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات.
وتسأل : لما ذا جعل الله سبحانه بعض آيات القرآن محكمة يفهمها الجميع ، وبعضها متشابهة لا يفهمها إلا الراسخون في العلم ، ولم يجعلها واضحة بكاملها ، يستوي في فهمها العالم والجاهل؟.
وأجيب عن هذا السؤال بأجوبة عديدة ، أرجحها ان دعوة القرآن موجهة إلى العالم والجاهل ، والذكي والبليد ، وان من المعاني ما هو معروف ومألوف للجميع ، ولا تحتاج معرفته إلى علم ودراسة ، فيكشف عنه بعبارة واضحة يفهمها كل مخاطب ، ومنها ما هو عميق ودقيق لا يفهم إلا بعد الدرس والعلم ،