بالذات ، وقد تفيد القرينة المقامية القدم والدوام ، مثل كان الله غفورا رحيما ، فان نسبة الرحمة والمغفرة اليه سبحانه لا تنفك عن ذاته أبدا وأزلا.
وحيث ان الله سبحانه قد أناط خيرية الأمة وفضلها بالإيمان به وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيكون معنى الآية أيها المسلمون لا تقولوا : نحن خير الأمم وأفضلها إلا إذا أمرتم بالمعروف ، ونهيتم عن المنكر ، وهذا الوصف يزول عنكم بمجرد اهمالكم لذلك ، وعليه فإن (كان) هنا تامة غير ناقصة .. وخير أمة حال من الضمير في كنتم ، أي أنتم خير أمة في حال أمركم بالمعروف ونهيكم عن المنكر.
٣ ـ ان قوله تعالى : (أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) يشعر بأن الله سبحانه أوجد محمدا وأمة محمد (ص) لتقود الأمم بكاملها حاملة كتاب الله في يد ، وسنّة نبيّه في يد ، تدعو الأجيال الى التمسك بهما ، والرجوع اليهما في العقيدة والشريعة والأخلاق ، لأنهما المصدران الوحيدان اللذان يحققان السعادة للجميع ، ويضمنان العيش لكل فرد ، ويفسحان المجال لأرباب الاجتهاد والكفاءات على أساس العدل والأمن والحرية للناس ، كل الناس(١).
وتتفق هذه الآية في مضمونها ، أي كنتم خير أمة ، مع الآية ١٤٣ من سورة البقرة : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ ، وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً).
وإذا لم ينهض المسلمون بعبء الدعوة الى الخير ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر زال عنهم وصف القيادة ، وأصبحوا في حاجة الى قائد يأمرهم بالمعروف ، وينهاهم عن المنكر.
وقد أتى على المسلمين حين من الدهر نهضوا فيه بهذا العبء ، وكانوا بحق قادة الأمم ، ثم أهملوه ، وبمرور الزمن أصبحوا ينهون عن المعروف ، ويأمرون بالمنكر كما نشاهد ذلك ونراه في هذا العصر الذي تحلل فيه أكثر أبناء الجيل من
__________________
(١) ألف العارفون في هذا الموضوع عشرات الكتب ، وبعض مؤلفيها من الأجانب ، وأكثرها أو الكثير منها يفي بالغرض ، ومن أكثرها فائدة ـ على ما أرى ـ كتيب للدكتور عبد الواحد وافي ، اسمه «المساواة في الإسلام» ، فانه على صغره غزير المادة ، متخم بالادلة والأرقام.