لأبي عامر الفاسق الذي أمرهم ببنائه لأنه ذاهب إلى قيصر ليأتي بجنود يخرج بها محمداً صلىاللهعليهوآلهوسلم من المدينة ، وكان هؤلاء المنافقون يتوقعون وعده ، فمات قبل أن يبلغ ملك الروم ، وانصرف النبي من تبوك ، فنزل قوله تعالى :
( وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (١٠٧) لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ) (١).
فبعث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من أحرق هذا المسجد وهدمه.
وهذا السيل الجارف من النفاق كما تراه يسلك سبلاً شتى بازاء تحقيق مآربه الضالّة ، ولا بدّ للنبيّ من الحذر منه؛ فاستخلف علياً عليهالسلام ليحمي المدينة من هؤلاء ، وليمنعها من غارات الأعراب ، وليقيم سنن الدين الحنيف من ينابيعه كما يريد الرسول ، وليؤكد صلاحية الإمام علي للقيادة والمرجعية.
ومع هذا الحذر وهذه اليقظة ، وصدق الدوافع في استخلاف عليّ على المدينة ، فقد دبّت حسيكة النفاق ، وأشاع المنافقون ما أرادوا ، وقالوا : ما خلّفه إلا استثقالاً له وتخففاً منه ، ومتى كان علي ثقيل الظل على رسول الله؟ ويقال : أن علياً عليهالسلام أخذ سلاحه وتبع الرسول وهو معسكر في الجرف ، فقال : يا نبي الله زعم المنافقون أنك إنما خلفتني لأنك استثقلتني ، وتخففت مني ، فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم كذبوا ، ولكن خلفتك لما تركت ورائي ، فارجع واخلفني في أهلي وأهلك ، « أفلا ترضى يا علي
__________________
(١) سورة التوبة ، الآيتان : ١٠٧ ، ١٠٨.