الزبير ليبصر طريقه
وقد أعمته شهوة السلطان ، واستهواه الحكم العقيم ، ولو ثاب إلى الهدى لالتحق بأمير
المؤمنين معلناً ندمه وتوبته ، ومكفّراً عن سيئاته وأخطائه ، ولكنه ركب رأسه ،
وأغمض على الحوب العظيم.
وقد رأيت نهاية أمير الجيش الزبير ، أما
أميره الثاني طلحة ، فحينما صكت الحرب أسنانها ، واختلط الحابل بالنابل ، قصده
مروان بن الحكم فرماه بسهم أصاب أكحله فقطعه ، وقال : لا طالبت بثأر عثمان بعد
اليوم ، وقال لبعض ولد عثمان : لقد كفيتك ثار أبيك من طلحة ، وهوى طلحة في المعركة
جريحاً ، وأخذه نزف الدم ، فلم يستطيع الفرار ، وقال لغلامه : ألا موضع أستجير به؟
فيقول له غلامه : قد أدركك القوم ، فقال طلحة : ما رأيت مصرع شيخ من قريش أضيع من
مصرعي. ومات طلحة في المعركة على تلك الحال.
وأما أم المؤمنين عائشة ، فقد ركبت
الجمل ، وأدرعت بهودجها ، وقد قامت الحرب على ساق ، وهي تحرض الناس على القتال وسط
المعركة ، تدفع بهؤلاء وتستصرخ أولئك ، وتحرك آخرين ، حتى حمي الوطيس وندرت الرؤوس
، وتناثرت الأيدي ، وتهاوت الأجساد حول الجمل ، وكان جمل عائشة راية أهل البصرة
يلوذون به كما يلوذ الجيش برايته الكبرى ، والناس تتهافت على خطام الجمل ، وكلما
أمسكه أحد قتل ، حتى تغافى حوله مئات القواد والعسكريين ، ومرتجز عائشة يقول :
يا أمنَّا عائشُ لا تراعي
|
|
كلُّ بنيِكِ بطلُ المصاعِ
|
وهي تلتفت إلى من على يمينها تشجعه ،
وإلى من على يسارها مباركة ، ومن إلى جنبها محمسة ، عتى ملّت من الحرب ، فأخرجت
يدها من الهودج تحمل بدرة من الدنانير ، ونادت بأعلى صوتها : من يأتيني برأس
الأصلع ( تريد بذلك عليّاً ) وله هذه البدرة ، فضجّ العسكر