فالإمام بهذا الخطاب الصريح ، قد أبان اختلاف القوم على القيادة ، وأظهر تردّي عائشة بالمعصية ، وأنبأ أنها صاحبة كلاب الحوأب بما أخبر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأجمل علم طلحة والزبير بخطأهما ، ومعهما علمهما لا ينفعهما ، وصرح بقيام الفتنة ، ودعا لقمعها ، ونعى على قريش موجدتها عليه ، ولا ذنب له مع عائشة إلا أن أدخلها في بني هاشم.
وأعلن الإمام الحرب بعد أن أعذر ، وأخذلها أهبتها ، حتى لا يؤخذ على حين غرة ، ولا يبغت بمفاجأة ، وبهذا يكون قد أحكم أمره إحكاماً دقيقاً ، ومعه شيوخ المهاجرين والأنصار من هم بصحة عزيمته ، ونفاذ بصيرته ، وصدق النية ، وسلامة القصد ، وقوة الشكيمة.
عوامل غلابّة ، وبوادر ائتلاف وجماعة ، وهكذا كان علي وجيشه المتوجه إلى البصرة. وكان جيش عائشة وطلحة والزبير يفتقر إلى هذه الخصائص وهو لا يتمتع بها ، ولم يكن ليوسم تحركاته بالصدق والبصيرة ، ولا ليتوج أعماله بالقصد والإعتدال ، وإنما هي الفرقة بأبرز صورها منذ اللحظة الأولى لمسيرة القوم ، فالتنازع حول الصلاة والجماعة قائم ، والتنافس على إمارة الحرب وقيادة الجيش بلغ أشدّه ، والتظاهر بالسلطان كلٌّ يدعيه لنفسه ، الفرقة ظاهرة مستحكمة ، والاختلاف متمكن مستطير ، والنزاع يصل إلى حد الصراع.
وهنا يبدو فرق ما بين الحزبين : حزب متطامن مستقيم على بصيرة من الأمر يتمثل بالإمام وجيشه ، وحزب متناحر مستهين ، تحدو به الأطماع ، ويتطلع إلى المناصب ، لا تستقيم له الرؤية يتمثل بعائشة وطلحة والزبير وجيشهم ، وفرقٌ ما بين المعسكرين كما ترى ، فالأول يقود بالضرورة إلى النصر ، والثاني يدفع إلى الهزيمة دون شك.