الآخر ، وقد مات ابو بكر فولي عمر ، فما كان من علي إلا أن سمع وأطاع ، ونصح للإسلام بكل ما استطاع ، وإن حجز في بيته ، واستسلم لوحدته ، فصبر على هذا كله ، بل على أكثر من هذا كله.
قام عمر بالأمر جريئاً شديداً قوياً ، ولكنه لم ينس فضل هذا الرجل المغلوب على أمره ، ولم يجهل مقامه وإن تجاهله ، فقد قال لابن عباس :
« ما أرى صاحبك إلا مظلوماً ».
فأجابه ابن عباس بذكاء : « فأردد إليه ظلامته ».
فعدل عمر عن الجواب ، ولجأ إلى التعليل القديم ، والسبب التافه :
« ما أظن القوم منعهم منه إلا أنهم استصغروه ».
وأصغى ابن عباس للعلة فما وجدها تنهض بشيء ، فأضاف إليها أخرى : « أتدري يا ابن عباس ما منع منكم الناس ».
وبقي ابن عباس صامتاً ينتظر ما يدلي به داهية العرب :
« كرهت قريش أن تجتمع لكم النبوة والخلافة ، فتجحفوا الناس جحفاً ، فنظرت لأنفسها فاختارت ، ووفقت فأصابت ».
بهت ابن عباس لهذا التصريح ، فالمسألة إذن مسألة جاهلية ، والقضية على هذا الأساس قضية عنصرية قبلية ، فقريش تكره اجتماع النبوة والخلافة في بيت واحد ، والهاشميون يجحفون بالناس ، ومتى أجحف بنو هاشم بالنبوة ، ـ إن كان باستطاعتهم الإجحاف ـ حتى يجحفوا بالإمامة ، وهل هذا وذاك من المناصب التي تتحكم بها قريش