(وَالمُخْلَصِينَ فِي تَوْحِيدِ اللهِ)
لو قرأنا المخلصين بكسر اللام وفتحها فهي تدل على أنّهم قد اختارهم الله واصطفاهم لتوحيده ، وكان الأئمّة عليهمالسلام بهذا المعنى ، لانّهم عرفوا الله عزّ وجلّ بأعلى مراتب التوحيد ، ولم يرق أحد في معرفة الله وصفاته وافعاله ما رقى ائمتنا الاطهار عليهمالسلام إلّا جدّهم الأعظم سيّد المرسلين وخاتم النّبيّين محمّد بن عبد الله صلىاللهعليهوآله.
والاخلاص عبادة من تنزه النّية من الشوائب والاغراض الدنيوية بل الاخروية وتجريدها ، وبأن لا يقصد بالأعمال إلّا رضا الله رب العالمين ، ولذا قال أمير المؤمنين عليهالسلام :
«إنّ قوماً عبدوا الله رغبة ، فتلك عبادة التجارة ، وإنّ قوما عبدوا الله رهبة ، فتلك عبادة العبيد ، وإنّ قوماً عبدوا الله شكراً ، فتلك عبادة الاحرار» (١).
أشارة واضحة الى مقامات العبودية :
تارة : تكون العبودية تكون خوفاً من العقاب ، ونار جهنم ، كما أن العبيد يخافون من سيّدهم في عدم القيام بالاعمال الملقاة على عاتقهم ، ولذا اعتبر الإمام علي عليهالسلام هذه الطائفة من العبادة عبادة العبيد.
وأخرى : تكون العبودية تكون طمعاً في نيل الملذّات والوصول الى الحياة الابدية والسّعادة وأن يمرح ويسرح في الجنان كما يشأ ويستفيد من ملذاتها فاعتبر الإمام عليهالسلام عبادة هؤلاء عبادة التجار.
والثّالثة : طائفة لا تعبد الله خوفاً من ناره ، ولا طمعاً في جنّته ، بل يرى أحدهم نفس العبادة فيها من الفيوضات الالهية أكثر من تلك المعاني ، أي يرى الله سبحانه
__________________
(١) نهج البلاغة : الحكمة (٣٣٧) ، اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٦٨.