دراسة وتقديم
تتناول هذه المخطوطة أهم معلم جغرافى بأرض مصر ، ألا وهو نهر النيل ، شريان حياتنا.
وقد عنى المفكرون فى جميع العصور منذ بدء التاريخ بنهر النيل ، وصفه وتتبع منابعه ، وحوضه ، ومصبه. وكثرت المحاولات لتفسير أحواله وظواهره المختلفة ، وهذه الأمور جميعها هى ما يطلق عليها «جغرافية النيل».
وكان الاهتمام بالنيل راجعا إلى أن جميع من سكن مصر أو خالط أهلها أو زارها أو جاورها ، يعلم تمام العلم أن النيل هو السبب فى ثراء مصر ورخائها ، وأنه الركيزة الأولى التى قامت عليها حضارتها المبكرة ، تلك الحضارة العظيمة الراقية منذ آلاف السنين ، والتى كان لها الفضل على العالم كله ، حيث نهل أبناؤه من وادى النيل مبادئ هذه الحضارة والعمران ، يوم لم يكن حضارة ولا عمران إلا ما نشأ ونما فى هذا الوادى الخصيب (١).
لذلك كان من الطبيعى أن يصبح نهر النيل محط اهتمام المصريين وغيرهم منذ أقدم العصور حتى يومنا هذا. فلا يوجد نهر فى العالم كله له من الفضل على إقليم وساكنيه ، ما لنهر النيل من الفضل على مصر وساكنى مصر. ولذا بدأت محاولات استكشاف النهر منذ بدأ المصرى القديم يتحول إلى الزراعة. وعلى الرغم من قلة المعلومات المتاحة للمصريين القدماء عن أعالى النيل ، إلا أنهم سرعان ما اتصلوا بغيرهم من الشعوب والبلاد التى تسكن وادى النيل فى جنوب مصر ، وهم بذلك كانوا مجدين فى الاستكشاف والاتصال بالبلاد الأخرى (٢).
واستمرت محاولات المصريين القدماء لكشف النهر ، ثم جاء اليونان واستمروا فى البحث والاستقصاء عن النهر ومنابعه ، وكان أشهرهم بطلميوس الجغرافى ؛ وهو مصرى يونانى ، كتب أكثر مؤلفاته فى أواسط القرن الثانى الميلادى ، وقد تناولت مؤلفاته الجغرافية جميع مناطق العالم ، وقد رسم العديد من الخرائط للعالم ولنهر النيل. وظلت
__________________
(١) محمد عوض محمد : نهر النيل ، ص ٧ ، ط. الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ٢٠٠١ م.
(٢) محمد عوض محمد : نهر النيل ، ص ١٣.