عنده ، فلقي ابن حنيف ، فقال له : جزاك الله خيراً ، ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إلي حتى كلّمته فيّ ، فقال ابن حنيف : والله ما كلّمته ، ولكن شهدت رسول الله ، وأتاه ضرير فشكا إليه ذهاب بصره ، فقال له النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إن شئت دعوت أو تصبر » ، فقال : يا رسول الله ، انّه ليس لي قائد وقد شق علي ، فقال له النبي : « ائت الميضاة ، فتوضأ ، ثم صل ركعتين ، ثم ادع بهذه الدعوات » ، قال ابن حنيف : فوالله ما تفرّقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل ، كأنّه لم يكن به ضر (١).
وثانياً : أنّ الاستدلال بالآيتين على ما يرتئيه المستدل غفلة عمّا تهدف إليه الآيتان ، فإنّ الآيتين في مقام بيان أمر آخر ، وهو انّ المراد من الإسماع هنا هو الهداية ، وهي تتصور على قسمين : هداية مستقلة ، وهداية معتمدة على إذنه سبحانه ، والآيتان بصدد بيان انّ النبي غير قادر على القسم الأوّل من الهدايتين ، بل هي من خصائصه سبحانه وإنّما المقدور له هو الهداية المعتمدة على إذنه تعالى ، ويدل على ذلك نفس الآية الواردة في سورة فاطر حيث يقول : ( وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَىٰ وَالبَصِيرُ * وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلا الحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَن فِي الْقُبُورِ * إِنْ أَنتَ إِلا نَذِيرٌ ) (٢).
والمستدل أخذ بالجملة الوسطى ، أعني قوله : ( وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَن فِي الْقُبُورِ ) وغفل أو تغافل عن الجملتين الحافّتين بها ، فإنّك إذا لاحظت قوله : ( إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ ) تقف على أنّ المراد من قوله : ( وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَن فِي الْقُبُورِ ) هو نفي الإسماع أو الهداية المستقلة من دون مشيئته سبحانه ، فكأنّه يقول : لست أيّها النبي بقادر على الهداية بل الهادي هو الله سبحانه ، ولأجل ذلك
__________________
(١) وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى : ٤ / ١٣٧٣ ، ورواه البيهقي من طريقين.
(٢) فاطر : ١٩ ـ ٢٣.