الآية الثانية عشرة
قال سبحانه : ( وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ * لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالمَلائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * مَا نُنَزِّلُ المَلائِكَةَ إِلا بِالحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنظَرِينَ ) (١).
وطريق الاستدلال مثل ما مر في الآيات السابقة ، غير أنّ هذه الآيات لا تهدف إلى ما رامه المستدل.
أمّا أوّلاً : فلأنّ عدم قيام النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بالإعجاز والإتيان بمقترحات القوم لأجل أنّ القوم لم يكونوا بصدد كشف الحقيقة ، وتحرّي الواقع إذ يقول فيهم سبحانه في نفس تلك السورة : ( وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ) (٢) فإذا بلغ عناد القوم إلى هذه الدرجة حيث زعموا أنّ عروجه إلى السماء ليس إلاّ سَكَراً أو سحراً ، فما ظنّك بغيره ! فلو قام النبي بأيّ مقترح للقوم لقالوا فيه ما قالوه بل أعظم منها.
وثانياً : انّ القوم اقترحوا على النبي أن يأتيهم بالملائكة والإتيان بهم كما مر يتحقّق على صورتين :
الأولى : الإتيان بهم بصورة الإنسان وهو لا يؤدي إلى إيمانهم لأنّهم يتصورونه بشراً عادياً.
الثانية : الإتيان بهم في صورهم الواقعية وهم غير مؤهلين لرؤيتهم.
أضف إلى ذلك أنّه يستفاد من الآيات أنّه جرت سيرة الله سبحانه في الأمم الماضية على أنّ نزول الملائكة وتكذيبهم يوجب نزول العذاب ، ولأجل ذلك قال
__________________
(١) الحجر : ٦ ـ ٨.
(٢) الحجر : ١٤ ـ ١٥.