يستعمل فى بعض المعانى الأخرى ؛ فينصب مفعولا به واحدا ، أو لا ينصب ؛ فيكون لازما. كل ذلك على حسب معناه اللغوى الذى تدل عليه المراجع اللغويّة الخاصة ، وليس هنا موضع استقصاء تلك المعانى ؛ وإنما نسوق بعضها :
فمن الأمثلة : الفعل «علم» ؛ فإنه ينصب المفعولين حين يكون بمعنى : اعتقد وتيقن : ـ كما سبق ـ ؛ مثل : علمت الكواكب متحركة. وقد يكتفى بمفعول به واحد فى هذه الحالة ؛ بأن نأتى بمصدر المفعول الثانى ، وننصبه مفعولا به ، ونكتفى به ، بعد أن نجعله مضافا أيضا ، ونجعل المفعول الأول هو المضاف إليه. فنقول : علمت تحرّك الكواكب ، فيستغنى عن المفعول الثانى وعن تقديره. ومن النحاة من لا يقصر هذا الحكم على «علم» ؛ بل يجعله عامّا فى جميع أفعال هذا الباب ؛ فيجيز إضافة مصدر المفعول الثانى إلى المفعول الأول ، والاكتفاء بهذا المصدر مفعولا واحدا (١).
وقد يكون بمعنى : «ظن» فينصب مفعولين أيضا ؛ مثل : أعلم الجوّ باردا فى الغد. فإن كان بمعنى : «عرف» نصب مفعولا به واحدا (٢) :
__________________
(١) وهذا الرأى فيه اختصار محمود ، ولا ضرر فى الأخذ به أحيانا. وتفضيل أحدهما متروك للمتكلم ؛ ليختار منهما ما يناسب كلامه على حسب الدواعى البلاغية. ومن تلك الدواعى أن الإبانة قد تقتضينا ـ أحيانا ـ أن نصرح بالمفعولين منصوبين .... فإن لم يكن فى التصريح بهما زيادة إيضاح ، أو إزالة لبس عند السامع ، أو إتمام فائدة ـ فالاختصار أحسن.
(٢) فى بعض كتب اللغة ـ دون بعض ـ ما يدل على أن «المعرفة» مقصورة على العلم المكتسب بحاسة من الحواس ؛ جاء فى «المصباح المنير» ، مادة «عرف» ما نصه : (عرفته عرفة ـ بالكسر ـ وعرفانا ، علمته بحاسة من الحواس الخمس). وأيضا يرى كثير من النحاة فرقا بين «علم» التى بمعنى : «عرف» و «علم التى بمعنى : اعتقد» وأنهما فعلان غير متساويين لا فى المعنى ولا فى العمل ، وحجته : أن «العلم» الذى بمعنى : «المعرفة» يتعلق بنفس الشىء وذاته المادية ؛ تقول : «علمت القمر» ، كما تقول «عرفت القمر» كلاهما معناه منصب على ذاته المحسوسة وجرمه ، (أى : حقيقته المادية) وعلى هذا تكون «علم التى بمعنى : عرف» مختصة عندهم بما يسميه المناطقة : «الذات» أو : «الشىء المفرد» أى : «البسيط» وكلا الفعلين بهذا المعنى يتعدى لواحد.
أما «علم» الناصبة للمفعولين فمختصة بوصف الذات بصفة ما ، ولا شأن لها بالذات مباشرة ، مثل : علمت القمر متنقلا. أى : علمت اتصاف ذات القمر بالتنقل ، وليس المراد علمت ذات القمر وجرمه.
فالفعل «علم» بهذا المعنى مختص بما يسميه المناطقة : «الكليات».
على أساس ما سبق كله يكون القائل : «عرفت قدوم الضيف» مريدا عرفت القدوم ذاته ، دون ـ