أيّها النّاسُ ، وفي دونِ ما استقبلتُم من خَطْب واستدبرتُم منِ عَصْرِ مُعْتَبَرٌ وماكل ذي قَلْبِ بلَبيبٍ ، ولا كل ذي سَمْع بسميعٍ ، ولاكلُّ ذي ناظِرِ عَيْنٍ ببصيرٍ. أَلا فأحسنوا النَظَرَ ـ عبادَ الله ـ فيما يَعنيكم ، ثم انظُروا إِلى عَرَصاتِ من قد أقادَه (١) الله بعملهِ ، كانوا على سُنّتن من آلِ فِرعَونَ ، أهلَ جنّاتٍ وعُيونٍ وزُروعٍ ومَقامٍ كَريمٍ ، فها هي عَرْصةُ (٢) المتوسمينَ وإنّها لَبِسبيلٍ مُقيمٍ ، تُنذرُ مَنْ نابَها (٣) من الثُّبور بعدَ النَضْرة والسُرورِ ومَقيلٍ مِنَ الأمنِ والحُبور ، ولمنْ صَبَرَ منكمُ العاقبةُ ولدِّ عاقبةً الأمور ..
فواهاً لأهلِ العُقول كيف أقاموا بَمدْرَجَةِ السُيولِ! واستضافوا غيرَ مَأمونٍ! وَيْساً (٤) لهذهِ الأمَّةِ الجائرة في قصدِها الرّاغبةِ عن رُشدِها! لا يقتفون أثَرَ نبيٍّ ، ولا يَقتدونَ بعمل وصيٍّ ، ولا يُؤمنونَ بغَيْبِ ، ولا يَرْعَوُوْنَ عن عَيْبٍ. كيفَ ومَفزعُهم في المُبهَماتِ إِلى قُلوبِهم ، فكلَُ امرِئ منهم إِمامُ نفسِه ، آخِذٌ منها فيما يَرى بعرى ثِقاتٍ ، لا يَألونَ قَصْداً ، ولن يَزدادوا إِلاّ بًعْداً ، لَشَد أنْسُ بعضِهم ببعضٍ وتصديقُ بعضِهم بعضاً ، حِياداً كل ذلكَ عمّا وَرَّثَ الرّسولُ صلىاللهعليهوآله ، ونُفوراً مما اُدِّيَ إليهِ من فاطرِ السّماواتِ والأرَضِينَ العليمِ الخبير ، فهم أهل
ــــــــــــــــــ
(١) في هامش « ش » و « م » : أباده.
(٢) في هامش « ش » و « م » : عُرْضَة.
(٣) في هامش « ش » : أصابها.
(٤) ويس : كلمة تستعمل في موضع الرأفة. « القاموس المحيط ـ ويس ـ ٢ : ٢٥٨ » ، وفي « م » : وويساً.