وقال أبو كثير المؤذن : تنزهت مع جماعة من الأصحاب ، فجئت ، فنهانى الشيخ عن النّزهة وصاح علّى وطردنى ، فقمت من الجمعة إلى الجمعة أدبّر حججا (١) أقولها له ، ثم جئت يوم الجمعة لأقول له : «روّحوا القلوب (٢) ساعة فساعة» أو «روّحوا القلوب مع الذّكر». فلما جئت قال لى : أين الذي تعبت عليه (٣)؟!.
وقال أيضا : كنا فى مجلسه بداره ، وكان هناك إنسان صالح معنا يسمّى عمر ، فسمعنا ضرب آلات وغناء ، فقال : يا عمر ، عندك همّة (٤) تسكت بها هذا المنكر؟ قال : فأطرقت أنا وقلت : لا. فقال الشيخ : أمر عجيب! إنسان يخبر بأحوال غيره من غير اطّلاع؟! ثم انجمع (٥) الشيخ وأطرق ، فما سمعت من المنكر شيئا.
وقال أحد الصّوفيّة (٦) : كنت فى الصحراء مع جماعة ومعنا قوّال (٧) ، فدخلنا بعض الحجز (٨) ، فقال القوّال شيئا ، فقمنا ، فطربنا ورقصنا وصفّقنا ، ثم جئت إلى الشيخ بعد مدّة ، فسألته عن مسألة ، فقال لى : «ليس لك جواب عندى ، لأنك لم تخلق (٩) للرّقص والتصفيق!».
__________________
(١) حججا : أدلّة وبراهين ، جمع حجّة.
(٢) روّحوا القلوب : أريحوها.
(٣) أى : أين الذي دبّرته من الحجج والبراهين وأتعبت نفسك من أجل أن تقوله لى اعتذارا؟!
(٤) الهمّة : ما همّ به من أمر ليفعل ، أو العزم القوىّ.
(٥) انجمع : عزم على شىء.
(٦) فى «م» : «بعض الصوفية».
(٧) القوّال : الرجل البليغ ، والكثير القول ، صيغة مبالغة ، والمراد بها هنا الشاعر الراوية.
(٨) الحجز : النواحى يحتجز بها
(٩) فى «م» : «لا تخلق».