بل ولا مع قصد ذلك ، إذ من كان فاعلا لذلك لا يعدّ جوادا بل مصانعا ومتاجرا (١) ومستفيدا ، فلا يكون جوادا مطلقا ، بل الجواد المطلق من تنزّه فيضه وعطاؤه عن قصد شيء من ذلك ، ولهذا تنزّهت أفعاله عن الأغراض المستلزمة لشيء ممّا ذكرناه (٢) حتّى قصد إفاضة الكمال لأجل الكمال أو لإظهار الكمال ، فانه حينئذ لا يكون كاملا مطلقا ولا جوادا كذلك ، وأما ما ذكره من دليل الأشاعرة (٣) فهو ممّا أخذه (٤) بعض متأخّري الأشاعرة من ظاهر كلام الفلاسفة تقوية لمذهب
__________________
(١) من تاجر بمعنى اتجر.
(٢) هذا محل الاعتضاد حيث خص الأغراض التي تنزه سبحانه عنها بما ذكره هاهنا من قبل.
(٣) قال المصنف رفع الله درجته في بحث القياس من نهاية الوصول بعد ذكر الإيرادات على القول بنفي الغرض : وبالجملة قول الاشاعرة : الفاعل لغرض مستكمل به حكم أخذوه من الحكماء وهم لم ينكروا العلل الغائية ولا شوق «سوق خ ل» الأشياء الى كمالاتها والا لبطل علم منافع الأعضاء وفوائد الغايات وعلم الهيئة وأكثر الطبيعيات وغيرها ، بل قالوا : إيجاد الموجودات عنه تعالى على أكمل ما يمكن ، لا بأن يخلق الشيء ناقصا ، ثم يكمله بقصد ثان ، لأنه تعالى كامل لذاته ، قادر على تكميل كل ناقص بحسب استعداده ، فيخلقه مشتاقا الى كماله من غير استيناف تدبير ، والغرض الذي نفوه استيناف ذلك التدبير في الإكمال بالقصد الثاني ، واستقصاء الكلام في هذا المقام ذكرناه في نهاية المرام ، لأنه الفن المتعلق به انتهى «منه قده».
(٤) قال فخر الدين الرازي في المحصل : أن ليس للواجب تعالى غرض في فعله ، لان كل من كان كذلك كان مستكملا بفعل ذلك الشيء ، والمستكمل بغيره ناقص لذاته. وقال المحقق الطوسي «قده» في نقده : ان هذا حكم أخذه من الحكماء واستعمله في غير موضعه فإنهم لا ينفون شوق الأشياء الى كمالاتها الذي هو الغرض من أفعاله والا لبطل علم منافع الأعضاء وقواعد العلوم الحكمية من الطبيعيات والإلهيات وغيرهما وسقطت العلة الغائية